وظاهر كلام الزمخشري أنها من التنازع، وأنه من إعمال الأول، فإنه قال: فإن قلت: إلام يرجع الضمير في "من آمن به"؟ قلت: إلى كل صراط، تقديره: توعدون من آمن به وتصدون عنه، فوضع الظاهر الذي هو "سبيل الله" موضع المضمر زيادة في تقبيح أمرهم.
قال الشيخ: وهذا تعسف وتكلف مع عدم الاحتياج إلى تقديم وتأخير ووضع ظاهر موضع مضمر، إذ الأصل خلاف ذلك كله، ولا ضرورة تدعو إليه، وأيضا فإنه من إعمال الأول وهو مذهب مرجوح، ولو كان من إعمال الأول لأضمر في الثاني وجوبا، ولا يجوز حذفه إلا في ضرورة شعر عند بعضهم كقوله:
2245 - بعكاظ يعشي الناظري ن إذا هم لمحوا شعاعه
فأعمل "يعشي" ورفع به "شعاعه" وحذف الضمير من "لمحوا" تقديره: لمحوه. وأجازه بعضهم بقلة في غير الشعر. والضمير في "به": إما لكل صراط كما تقدم عن أبي القاسم، وإما على الله للعلم به، وإما على سبيل الله، وجاز ذلك لأنه يذكر ويؤنث، وعلى هذا فقد جمع بين الاستعمالين هنا حيث قال "به" فذكر، وقال: "وتبغونها عوجا" فأنث، ومثله: قل هذه [ ص: 378 ] سبيلي . وقد تقدم نحو قوله: "تبغونها عوجا" في آل عمران فأغنى عن إعادته.
قوله: واذكروا : إما أن يكون مفعوله محذوفا، فيكون هذا الظرف معمولا لذلك المفعول أي: اذكروا نعمته عليكم في ذلك الوقت، وإما أن تجعل نفس الظرف مفعولا به. قاله الزمخشري. وقال ابن عطية: إن الهاء في "به" يجوز أن تعود على شعيب عند من رأى أن القعود على الطرق للرد عن شعيب. وهو بعيد لأن القائل "ولا تقعدوا" هو شعيب، وحينئذ كان التركيب "من آمن بي" والادعاء بأنه من باب الالتفات بعيد جدا; إذ لا يحسن أن يقال: "يا هذا أنا أقول لك: لا تهن من أكرمه" أي: من أكرمني.
قوله: " كيف " وما في حيزها معلقة للنظر عن العمل، فهي وما بعدها في محل نصب على إسقاط الخافض. والنظر هنا التفكر، و "كيف" خبر كان، واجب التقديم.


