الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
148 - وأخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي ، قال : حدثنا يعقوب [ ص: 475 ] بن إبراهيم الدورقي ، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في الصلاة على غير ما أقرؤها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها ، فأخذت بثوبه ، فذهبت معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها ، فقال : " اقرأ . فقرأ القراءة التي سمعتها منه ، فقال : هكذا أنزل ، إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف ، فاقرؤوا ما تيسر منه " .

قال محمد بن الحسين :

فصار المراء في القرآن كفرا بهذا المعنى ، يقول هذا : قراءتي أفضل من [ ص: 476 ] قراءتك ، ويقول الآخر : بل قراءتي أفضل من قراءتك ، ويكذب بعضهم بعضا ، فقيل لهم : ليقرأ كل إنسان كما علم ، ولا يعب بعضكم قراءة غيره ، واتقوا الله ، واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، واعتبروا بأمثاله ، وأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه .

قال محمد بن الحسين - رحمه الله - :

قد ذكرت في تأليف كتاب المصحف ؛ مصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، الذي أجمعت عليه الأمة والصحابة ومن بعدهم من التابعين ، وأئمة المسلمين في كل بلد ، وقول السبعة الأئمة في القرآن ، ما فيه كفاية ، ولم أحب ترداده هاهنا ، وإنما مرادي هاهنا ترك الجدال والمراء في القرآن ، فإنا قد نهينا عنه .

ولا يقول إنسان في القرآن برأيه ، ولا يفسر القرآن إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد من الصحابة ، أو عن أحد من التابعين ، أو عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا يماري ولا يجادل .

فإن قال قائل : فإنا قد نرى الفقهاء يتناظرون في الفقه ، فيقول أحدهم : قال الله تعالى كذا ، وقال كذا ، فهل يكون هذا مراء في القرآن ؟

قيل : معاذ الله ! . ليس هذا مراء ، فإن الفقيه ربما ناظره الرجل في [ ص: 477 ] مسألة ، فيقول له على جهة [ البيان والنصيحة : حجتنا فيه قال الله تعالى : كذا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذا ، على جهة ] النصيحة والبيان ، لا على جهة المماراة .

فمن كان قال هكذا ، ولم يرد المغالبة ، ولا أن يخطئ خصمه ويستظهر عليه سلم وقبل إن شاء الله كما ذكرنا في الباب الذي قبله .

قال الحسن : " المؤمن لا يداري ولا يماري ، ينشر حكمة الله ، فإن قبلت حمد الله ، وإن ردت حمد الله " .

وبعد هذا فأكره الجدال والمراء ، ورفع الصوت في المناظرة في الفقه إلا على الوقار والسكينة .

[ ص: 478 ] وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، وليتواضع لكم من تعلمونه ، ولا تكونوا جبابرة العلماء ، فلا يقوم علمكم بجهلكم " .

[ ص: 479 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية