الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1443 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن محمد بن المنكدر، وعن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون؟ فقال أسامة بن زيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض، وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه".

                                                                            وقال أبو النضر : "لا يخرجكم إلا فرار منه".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد العزيز بن عبد الله، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك.

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي ، قوله: "فلا تقدموا عليه" إثبات الحذر، والنهي عن التعرض للتلف، وفي قوله: "لا تخرجوا فرارا منه" إثبات [ ص: 255 ] التوكل والتسليم لقضاء الله، فأحد الأمرين تأديب وتعليم، والآخر تفويض وتسليم.

                                                                            وروي عن فروة بن مسيك، قال: قلت: يا رسول الله أرض عندنا هي أرض ميرتنا، وإنها وبيئة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعها عنك فإن من القرف التلف".

                                                                            والقرف: هو مداناة الوباء، وليس هذا من باب العدوى، وإنما هو من باب الطب، فإن استصلاح الأهوية معينة على صحة الأبدان، وفسادها مضر مسقم كالمطاعم والمشارب، وكل ذلك بإذن الله ومشيئته جلت عظمته.

                                                                            وقيل: قوله: "فلا تقدموا عليه" رخصة لمن أراد أن لا يدخلها، وأحب أن ينصرف، وكذلك قوله عليه السلام: "فر من المجذوم" رخصة، فلو دخلها كان أقرب إلى التوكل، بدليل أن الصحابة اختلفوا على عمر حين استشارهم في دخول الشام، وقد وقع بها الطاعون، وقال أبو عبيدة: تفر من قدر الله. [ ص: 256 ] .

                                                                            وروي أن الزبير بعث إلى مصر، فقيل له: إن بها الطاعون، فقال: إنما جبلنا لطعن وطاعون.

                                                                            قال رحمه الله: يريد به الشهادة.

                                                                            وروي أن أبا بكر جهز جيشا إلى الشام، فقال: اللهم اجعل مناياهم قتلا في سبيلك بطعن وطاعون.

                                                                            وأما قوله: "وإذا وقع بأرض، وأنتم بها فلا تخرجوا" فهذا نهي إذا كان قصده بالخروج الفرار منه، فلو خرج منها لحاجة يريدها، أو سفر يقصده، فلا بأس به، بدليل، أنه قال: "فلا تخرجوا فرارا منه". [ ص: 257 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية