الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه.

                                                                            1537 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا أبو العباس الأصم .

                                                                            ح وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع، أنا الشافعي ، نا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة، قال: توفيت ابنة لعثمان بن عفان، بمكة، فجئنا نشهدها، وحضرها ابن عباس ، وابن عمر، فقال: وإني لجالس بينهما جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر، فجلس إلي، فقال ابن عمر لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"، فقال ابن عباس : قد [ ص: 441 ] كان عمر يقول بعض ذلك، ثم حدث ابن عباس ، قال: صدرت مع عمر بن الخطاب من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا بركب تحت ظل شجرة، قال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ فذهبت، فإذا صهيب، قال: ادعه، فرجعت إلى صهيب، فقلت: ارتحل، والحق بأمير المؤمنين، فلما أصيب عمر، سمعت صهيبا يبكي، ويقول: واأخياه واصاحباه، فقال عمر: يا صهيب أتبكي علي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه؟"، قال: فلما مات عمر، ذكرت ذلك لعائشة، فقالت: رحم الله عمر، لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه"، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه"، فقالت عائشة : حسبكم القرآن ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ، قال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك [ ص: 442 ] وأبكى، قال ابن أبي مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبدان، عن عبد الله، وأخرجه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق ، كلاهما عن ابن جريج ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة.

                                                                            قال الشافعي : ما روت عائشة أشبه بدلالة الكتاب، ثم بالسنة، وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه لا بذنب غيره.

                                                                            وفسر المزني هذا الكلام، فقال: بلغني أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليهم وبالنياحة، وهي معصية، ومن أمر بها، فعملت بعده، كانت له ذنبا، فيجوز أن يزاد بذنبه عذابا، كما قال الشافعي : لا بذنب غيره.

                                                                            قال رحمه الله: ويمكن تصحيح رواية عمر على هذا التأويل، وقد ذكره بعض أهل العلم، وذلك أنهم كانوا يوصون أهليهم بالبكاء عليهم والنوح، وذلك موجود في أشعارهم، قال قائلهم: [ ص: 443 ]

                                                                            إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يابنة معبد

                                                                            50 فالميت تلزمه العقوبة لبكاء أهله، بما تقدم من أمره ووصيته في حياته، وكذلك إذا كان النوح من سنته، أو كان يفعله أهله، فلا ينهاهم عنه، فيعاقب بعد موته بها، إذا كان عليه كفهم عنه، قال الله سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) .

                                                                            وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكم مسئول عن رعيته"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها"، فأما إذا لم يكن بأمره، ولا هو من سنته، فهو على ما قالت عائشة .

                                                                            قال ابن المبارك : أرجو إن كان ينهاهم في حياته أن لا يكون عليه من ذلك شيء.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية