الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1459 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن ابن شهاب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، [ ص: 283 ] عن أبيه سعد بن أبي وقاص، أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فبشطره؟ قال: لا، ثم قال: "الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك"، قال: قلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ فقال: "إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف، [ ص: 284 ] عن مالك، وأخرجه عن أحمد بن يونس ، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب .

                                                                            وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، نا أبو العباس الأصم ، نا زكريا بن يحيى المروزي، نا سفيان بن عيينة، عن الزهري ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، أن أباه أخبره، أنه مرض عام الفتح مرضا أشفى منه على الموت، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وهو بمكة، فساق مثل معناه.

                                                                            قوله: أشفى على الموت، أي: أشرف عليه، يقال: أشفى على الشيء، وأشاف عليه: إذا قاربه.

                                                                            وقوله: "ولا يرثني إلا ابنة لي"، يريد: لا يرثني ذو سهم إلا ابنة دون من يرثه بالتعصيب، لأن سعدا رجل من قريش من زهرة، ففي عصبته كثرة.

                                                                            قوله: "عالة يتكففون الناس" أي: يسألون الصدقة بأكفهم.

                                                                            وفي الحديث دليل على، أنه يجوز له أن يستوعب الثلث من ماله بالوصية، وأن لا يجاوز الثلث سواء كان له وارث، أو لم يكن، والأولى أن ينقص عن الثلث، لقوله صلى الله عليه وسلم: "والثلث كثير"، وهذا قول أكثر أهل العلم. [ ص: 285 ] .

                                                                            وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لسعد: "أوص بالعشر"، قال: فما زلت أناقصه، حتى قال: "أوص بالثلث والثلث كثير".

                                                                            وقال علي: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث، فمن أوصى بالثلث، فلم يترك.

                                                                            قال الحسن البصري: يوصي بالسدس أو الخمس أو الربع.

                                                                            وقال الشعبي : إنما كانوا يوصون بالخمس والربع.

                                                                            وروي عن ابن عباس ، أنه قال: الثلث والربع حيف.

                                                                            وقال إسحاق بن راهويه: السنة الربع إلا أن يعرف الرجل في ماله شبها فله استغراق الثلث.

                                                                            قال إبراهيم: كان السدس أحب إليهم من الثلث.

                                                                            قال عمر لرجل يسأله: أوص بالعشر.

                                                                            وأوصى زياد بن مطر، فقال: وصيتي: ما اتفق عليه فقهاء البصرة، فاتفقوا على الخمس؟ وقال الشافعي : إن ترك ورثته أغنياء لم يكره له أن يستوعب الثلث وإلا فالاختيار أن لا يستوعبه. [ ص: 286 ] .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه إن لم يكن له وارث، وضع ماله حيث شاء، روي ذلك عن ابن مسعود، وإليه ذهب إسحاق.

                                                                            وروي عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار"، ثم قرأ أبو هريرة : ( من بعد وصية ) إلى قوله: ( غير مضار ) .

                                                                            وقال عبد الله: هما المريان: الإمساك في الحياة، والتبذير عند الموت، يقول: مر في الحياة، ومر عند الموت، نسبهما إلى المرارة لما فيهما من الإثم.

                                                                            قال أبو عبيد: هما المريان، أي: الخصلتان، الواحدة: المرى مثل الصغرى والكبرى، وللثنتين: الصغريان والكبريان.

                                                                            وقوله: "أخلف بعد أصحابي"، قاله خوفا من أن يموت بمكة، وهي دار تركوها لله، فلم يحب أن يكون موته بها.

                                                                            وروي عن العلاء بن الحضرمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقيم [ ص: 287 ] المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا".

                                                                            ومن أوصى بشيء جاز له الرجوع فيه، وتغييره، قال عمر بن الخطاب "يحدث الرجل في وصيته ما يشاء وملاك الوصية آخرها".

                                                                            وإذا أوصى بالثلث ليس للوارث رده، قال مكحول: إذا كان في الورثة محاويج، فلا أرى بأسا، أن يرد عليهم من الثلث. [ ص: 288 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية