الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1451 - أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، نا أحمد بن يوسف السلمي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام بن منبه، قال: حدثنا أبو هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جاء ملك الموت إلى موسى، فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت، ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله عز وجل فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد إليه عينه، قال: ارجع إلى عبدي، فقل له: الحياة تريد؟ فإن كنت [ ص: 266 ] تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من شعرة، فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، قال: رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أني عنده لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن يحيى بن موسى، وأخرجه مسلم، عن محمد بن رافع، كلاهما عن عبد الرزاق .

                                                                            قال رحمه الله: هذا الحديث يجب على المرء المسلم الإيمان به على ما جاء به، من غير أن يعتبره بما جرى عليه عرف البشر، فيقع في الارتياب، لأنه أمر مصدره عن قدرة الله سبحانه وتعالى وحكمه، وهو مجادلة بين ملك كريم، ونبي كليم، كل واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوام البشر، ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خص [ ص: 267 ] به، فلا يعتبر حالهما بحال غيرهما، وقد اصطفى الله سبحانه وتعالى موسى برسالاته وبكلامه، وأيده بالآيات الظاهرة، والمعجزات الباهرة، كاليد البيضاء، والعصا، وانفلاق البحر، وغيرها مما نطق به القرآن، ودلت عليه الآثار، وكل ذلك إكرام من الله عز وجل أكرمه بها، فلما دنت وفاته وهو بشر يكره الموت طبعا، ويجد ألمه حسا، لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه به قهرا، لكن أرسله إليه منذرا بالموت، وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشر، فلما رآه موسى استنكر شأنه، واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعا عن نفسه، بما كان من صكه إياه، فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون صورة الملكية التي هو مجبول عليها، وقد كان في طبع موسى صلى الله عليه وسلم حمية، وحدة، على ما قص الله علينا من أمره في كتابه من وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه.

                                                                            وروي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارا، وقد جرت سنة الدين بدفع من قصدك بسوء، كما جاء في الحديث: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حل لهم أن يفقؤوا عينه"، [ ص: 268 ] فلما نظر موسى إلى شخص في صورة بشر، هجم عليه يريد نفسه، ويقصد هلاكه، وهو لا يثبته، ولا يعرفه أنه رسول ربه دفعه عن نفسه، فكان فيه ذهاب عينه، فلما عاد الملك، إلى ربه، رد الله إليه عينه، وأعاده رسولا إليه، ليعلم نبي الله عليه السلام إذا رأى صحة عينه المفقوءة أنه رسول الله بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذ لأمره، وطاب نفسا بقضائه، وكل ذلك رفق من الله عز وجل ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه، والانقياد لمورد قضائه، قال: وما أشبه معنى قوله: "ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن" يكره الموت بترديده رسوله ملك الموت إلى نبيه موسى عليه السلام، فيما كرهه من نزول الموت به، وقد ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي في كتابه، ردا على من طعن في هذا الحديث، وأمثاله من أهل البدع والملحدين أبادهم الله، وكفى المسلمين، شرهم.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية