ذكر خبر ردة اليمن   
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى المهاجر بن أمية  صنعاء ،  وزياد بن لبيد  حضرموت ،  فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما على عملهما ، فانتقضت كندة  على زياد بن لبيد  إلا طائفة منهم ثبتوا معه ، فقيل له: إن بني عمرو بن معاوية قد جمعوا لك فعاجلهم فثبتهم وحاز غنائمهم ثم أقبل بها راجعا ، فمر بالأشعث بن قيس ،  فخرج الأشعث  في قومه يعترض لزياد ،  فأصيب ناس من المسلمين وانحاز زياد  ثم كتب إلى أبي بكر  رضي الله عنه يخبره بذلك ، وكتب أبو بكر  رضي الله عنه إلى المهاجر  بصنعاء  أن يمد زيادا  بنفسه ، فسار إليه المهاجر ، ثم إنهما جمعا ولقوا المشركين ، فأثخنوهم .  [ ص: 87 ] 
ووجه أبو بكر  رضي الله عنه  عكرمة بن أبي جهل  في خمسمائة مددا لزياد ، فقدموا عليه وقد قتل أولئك وغنم أموالهم فأشركهم في الغنيمة . 
وتحصنت ملوك كندة  ومن بقي معهم في النجير  وأغلقوا عليهم فجثم عليهم زياد  والمهاجر  وعكرمة ،  وكان في الحصن  الأشعث بن قيس ،  فلما طال الحصار ، قال الأشعث:  أنا أفتح لكم باب الحصن وأمكنكم ممن فيه على أن تؤمنوا لي عشرة ، فأعطوه ذلك ، ففتح باب الحصن ، ثم عزل عشرة أنفس ولم يعد فيهم نفسه وهو يرى أنهم لا يحسبون به في العشرة ، فقالوا: إنما صالحناك على عشرة ، فنحن نعفو عن هؤلاء ونقتلك لأنك لم تعد نفسك فيهم ، فقال لهم: وإن ظنكم ليدلكم على أني أصالح عن غيري وأخرج بغير أمان ، فجادلهم وجادلوه ، فقالوا: نرد أمرك إلى أبي بكر  رضي الله عنه فيرى فيك رأيه ، وأمر زياد  بكل من في الحصن أن يقتلوا فقتلوا ، وكانوا سبعمائة ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وحمل الأشعث  إلى أبي بكر  رضي الله عنه ، فزعم أنه قد تاب ودخل في الإسلام ، وقال: من علي وزوجني أختك ، فإني قد أسلمت ، فزوجه أبو بكر  رضي الله عنه أم فروة بنت أبي قحافة ،  فولدت له محمدا ،  وإسحاق ،  وإسماعيل ،  فأقام بالمدينة ،  ثم خرج إلى الشام  في خلافة  عمر  رضي الله عنه ، وكانت ردة اليمن  سنة إحدى عشرة .  
روى المؤلف بإسناده عن  أبي رجاء العطاردي ،  قال: دخلت المدينة  فرأيت الناس مجتمعين ، ورأيت رجلا يقبل رأس رجل وهو يقول: أنا فداؤك ، لولا أنت لهلكنا ، فقلت: من المقبل ومن المقبل ، قالوا: ذاك  عمر  يقبل رأس أبي بكر  رضي الله عنهما في قتاله أهل الردة  إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين . 
وفي هذه السنة كتب  معاذ بن جبل  وعمال اليمن  إلى أبي بكر  يستأذنونه في القدوم ، فكتب إليهم: 
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثكم لما بعثكم له من أمره ، فمن كان أنفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاء أن  [ ص: 88 ] يرجع فليرجع وليستخلف على عمله ، ومن شاء أن يقيم فليقم ، فرجعوا . 
فلما قدم معاذ  لقي  عمر بن الخطاب  فاعتنقا وعزا كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان مع معاذ  الخراج ، وكان معه وصفاء قد عزلهم ، فقال  عمر:  ما هؤلاء؟ 
قال: أهدوا لي ، فقال  عمر:  أطعني وائت بهم أبا بكر  فليطيبهم لك ، قال معاذ:  لا لعمري آتي أبا بكر  بمالي يطيبه لي ، فقال  عمر:  إنه ليس لك . فلما كان الليل وأصبح أتاه فقال له: لقد رأيتني البارحة كأني أدنو إلى النار ، وأنت آخذ بحجزتي ، إني وجدت الأمر كما قلت . فأتى أبا بكر  فاستحلها فأحلهم . 
فبينما معاذ  قائم يصلي رأى رقيقه يصلون كلهم ، فقال لهم: ما تصنعون؟ قالوا: 
نصلي ، قال: لمن؟ قالوا: لله عز وجل ، [قال]: فاذهبوا فأنتم لله ، فأعتقهم . 
وفي هذه السنة حج بالناس  عمر بن الخطاب ،  وقيل: بل  عبد الرحمن بن عوف ،  وقيل: عتاب بن أسيد .  
				
						
						
