الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
168 - عكرمة بن أبي جهل ، واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:

[أخبرنا ابن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال:

أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن موسى بن عقبة ، عن أبي حبيبة مولى الزبير] عن عبد الله بن الزبير ، قال:

لما كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن ، وخاف أن يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، [فجاءت زوجته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] وكانت امرأته أم حليم بنت الحارث بن هشام امرأة لها عقل ، وكانت قد اتبعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت له: إن ابن عمي عكرمة قد هرب منك [إلى اليمن] ، وخاف أن تقتله فأمنه ، قال: "قد أمنته بأمان الله ، فمن لقيه فلا يعرض له" فخرجت في طلبه ، فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر ، فجعلت تلوح إليه وتقول: يا بن عم ، جئتك من عند أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فأمنك ، فقال: أنت فعلت ذلك؟ قالت: نعم ، أنا كلمته فأمنك ، فرجع معها ، فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: "يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت" . [ ص: 156 ]

قال: فقدم عكرمة فانتهى إلى باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته معه متنقبة ، قال:

فاستأذنت على رسول الله فدخلت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقدوم عكرمة ، فاستبشر ووثب قائما على رجليه ، وما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رداء فرحا بعكرمة ، وقال: أدخليه ، فدخل ، فقال: يا محمد ، إن هذه أخبرتني أنك أمنتني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "صدقت وأنت آمن" ، قال عكرمة: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله ، وقلت: أنت أبر الناس ، وأصدق الناس ، وأوفى الناس ، أقول ذلك وإني لمطأطئ الرأس استحياء منه ، ثم قلت: يا رسول الله ، استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مركب أوضعت فيه أريد به إظهار الشرك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها ، أو نطق بها أو مركب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك" ، فقلت: يا رسول الله ، مرني بخير ما تعلم فأعمله ، قال: "قل: أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وجاهد في سبيله" ، ثم قال عكرمة: أما والله يا رسول الله ، لا أدع نفقة كنت أنفقتها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالا كنت أقاتل في صد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله ، ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدا يوم أجنادين ، في خلافة أبي بكر الصديق ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمله عام حج على هوازن بصدقتها .

[قال محمد بن سعد: وأخبرنا عارم بن الفضل ، قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب] ، عن ابن أبي مليكة ، قال:

لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هاربا يجب بهم البحر ، فجعلت الصواري يدعون الله عز وجل ويوحدونه ، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله عز وجل ، قال: فهذا إله محمد الذي يدعونا إليه ، فارجعوا بنا ، فرجع فأسلم . وكانت امرأته أسلمت قبله وكانا على نكاحهما .

[قال ابن سعد: وأخبرنا موسى بن مسعود ، أبو حذيفة النهدي ، قال: حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مصعب بن سعد] ، عن عكرمة بن أبي جهل ، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم جئته: "مرحبا بالراكب المهاجر ، مرحبا بالراكب

[ ص: 157 ]

المهاجر" ، قلت: يا رسول الله ، لا أدع نفقة أنفقتها عليك إلا أنفقت مثلها في سبيل الله .
[قال ابن سعد: وأخبرنا أبو سهل ، قال: حدثنا داود] ، عن هشام [بن يحيى] المخزومي ، قال: قال شيخ لنا: لما قدم عكرمة المدينة جعل الناس يتنادون: هذا ابن أبي جهل ، هذا ابن أبي جهل ، فانطلق مؤايلا حتى دخل على أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت له: ما شأنك؟

قال: ما شأني ، لا أخرج إلى طريق ولا سوق إلا ينادى بي: هذا ابن أبي جهل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خلال ذلك ، فذكرت له أم سلمة ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مقالته: "ما بال أقوام يؤذون الأحياء بشتم الأموات ، ألا لا تؤذوا الأحياء بشتم الأموات" .
[قال ابن سعد: وأخبرنا سليمان ، قال: حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة]: أن عكرمة بن أبي جهل كان إذا أجهد اليمين ، قال: لا والذي نجاني يوم بدر ، وكان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ، ربي كتاب ربي .

169 - عتاب بن أسيد:

ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وتوفي بها يوم مات أبو بكر بالمدينة ، وكانا قد سما جميعا .

170 - نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف:

أسلم بعد عشرة ، وكان يكتم إسلامه ، وإنما سمي النحام؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم" . ولم يزل بمكة يحوطه قومه [لشرفه فيهم . فلما هاجر المسلمون إلى المدينة أراد الهجرة ، فتعلق به قومه] فقالوا: دن بأي دين شئت وأقم عندنا . فأقام [بمكة] إلى [ ص: 158 ] سنة ست ، فقدم مهاجرا إلى المدينة ومعه أربعون من أهله ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتنقه وقبله .

وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بعد الحديبية ، وقتل يوم اليرموك [شهيدا] في هذه السنة .

171 - هشام بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم:

أسلم بمكة قديما ، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ، ثم قدم مكة حين بلغه مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، يريد اللحاق به ، فحبسه أبوه وقومه بمكة حتى قدم المدينة بعد الخندق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فشهد ما بعد ذلك من المشاهد ، وكان أصغر سنا من أخيه عمرو بن العاص ، وكان عمرو يقول: عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقبله وتركني .

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، قال:

أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثني مخرمة بن بكير ، عن أم بكر بنت] المسور بن مخرمة ، قالت: كان هشام بن العاص رجلا صالحا ، لما كان يوم أجنادين رأى من المسلمين بعض النكوص عن عدوهم ، فألقى المغفر عن وجهه وجعل يتقدم في نحر العدو ، وهو يصيح: يا معشر ، المسلمين إلي إلي ، أنا هشام بن العاص ، أمن الجنة تفرون؟ حتى قتل .

روى محمد بن عمر: [وحدثني ثور بن يزيد ، عن خلف] بن معدان ، قال: [ ص: 159 ]

لما انهزمت الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان ، فجعلت الروم تقاتل عليه وقد تقدموه وعبروه ، وتقدم هشام بن العاص بن وائل ، فقاتلهم عليه حتى قتل ، ووقع على تلك الثلمة فسدها ، فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل ، فقال عمرو بن العاص: أيها الناس ، إن الله قد استشهده ورفع روحه ، وإنما هو جثة ، فأوطئوه الخيل ، ثم أوطأه هو وتبعه الناس حتى قطعوه ، فلما انتهت الهزيمة ورجع المسلمون إلى العسكر ، كر إليه عمرو بن العاص ، فجعل يجمع لحمه وأعضاءه وعظامه ، ثم حمله في نطع فواراه .

وكانت وقعة أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم ، وكانت في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وكان على الناس يومئذ عمرو بن العاص .

172 - [واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز:

أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم ، وشهد مع عبد الله بن جحش سريته إلى نخلة ، وقتل يومئذ عمرو بن الحضرمي . وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس له عقب] . [ ص: 160 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية