الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
202 - شرحبيل بن حسنة ، وهي أمه ، وهو ابن عبد الله بن المطاع بن عمرو ، ويكنى أبا عبد الله :

هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوات ، وهو أحد الأمراء الذين عقد لهم أبو بكر الصديق إلى الشام ، وتوفي في هذه السنة بالشام وهو ابن سبع وستين سنة .

203 - عامر بن عبد الله بن الجراح ، أبو عبيدة الفهري :

منسوب إلى فهر قريش ، وكذلك حبيب بن مسلمة الفهري ، وقد ينسب قوم إلى فهر الأنصار ، منهم عبادة وأوس ابنا الصامت .

كان أبو عبيدة نحيف البدن ، معروق الوجه ، خفيف اللحية طوالا ، أحنى ، أثرم الثنيتين . أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة في بعض الروايات ، ثم إلى المدينة ، وشهد بدرا وأحدا ، وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين انهزم الناس ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية في ثلاثمائة وبضعة عشر ، وألقى لهم البحر حوتا يقال له العنبر ، فأكلوا منه . وأقام ضلعا من أضلاعه ، ورحل بعيرا فأجازه تحته .

وقدم أهل اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه أن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام ، فأخذ بيد أبي عبيدة وقال: هذا أمين هذه الأمة .

[أخبرنا ابن أبي طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، قال: [ ص: 262 ]

أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثني إسحاق بن يحيى ، عن عيسى بن طلحة ] ، عن عائشة ، قالت: سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: لما كان يوم أحد ورمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، فأقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنسان قد أقبل يطير طيرانا ، فقلت: اللهم اجعله طلحة حتى توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا أبو عبيدة بن الجراح بدرني فقال: أسألك بالله يا أبا بكر ، إلا تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فتركته فأخذ بثنيته أحد حلقتي المغفر فنزعها ، فسقط على ظهره ، وسقطت ثنية أبي عبيدة . ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى ، فسقطت فكان أبو عبيدة في الناس أثرم .

توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة .

204 - العاص بن سهيل بن عمرو ، ويكنى أبا جندل :

أسلم قديما بمكة فقيده أبوه ، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديبية أقبل يرسف في قيده ، فقال سهيل: هذا أول ما أقاضيك عليه ، فرده فأفلت ومضى إلى أبي بصير بالعيص ، فكانوا يتعرضون عير قريش ، فمات أبو بصير ، فقدم أبو جندل فلم يغز مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى توفي ثم خرج إلى الشام فجاهد فتوفي في طاعون عمواس .

205 - [عتبة بن مسعود بن حبيب ، أخو عبد الله بن مسعود لأبيه وأمه:

وكان قديم الإسلام بمكة ، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، ثم قدم فشهد أحدا والمشاهد بعدها ، ومات في خلافة عمر ، وصلى عليه] .

206 - عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن حطمة ، وهو عمير القاري :

وكان قديم الإسلام ضرير البصر ، وكانت عصماء بنت مروان تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 263 ] وتحرض عليه وتعيب الإسلام وتقول في ذلك الشعر ، فلما غاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببدر نذر عمير إن الله رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سالما أن يقتل عصماء ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بدر أتاها عمير في جوف الليل فقتلها ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ينتطح فيها عنزان" . وكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي" . وكان عمير يؤذن لقومه .

207 - الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ، أبو محمد :

أمه أم الفضل ، وهي لبابة الكبرى ، وهو أسن ولد العباس ، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وحنينا وثبت معه يومئذ حين انهزم الناس فيمن ثبت معه من أهل بيته ، وشهد معه حجة الوداع ، وأردفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراءه وكان من جملة من حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتولى دفنه ، ثم خرج بعد ذلك إلى الشام مجاهدا ، فمات في ناحية الأردن في هذه السنة .

208 - [ عدي بن أبي الزغباء ، واسم أبي الزغباء سنان بن سبيع :

بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع بسبس بن عمرو الجهني طليعة يتجسسان خبر العير ، فوردا بدرا فوجدا العير قد مرت وفاتتهما - فرجعا فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

وشهد عدي بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وليس له عقب .

209 - عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان ، يكنى أبا عبد الرحمن :

ويروى أنه كان في الثمانية الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأنصار بمكة فأسلموا .

وشهد العقبتين ، وتوفي وهو ابن خمس وستين سنة] . [ ص: 264 ]

210 - معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب ، أبو عبد الرحمن :

كان طوالا أبيض حسن الثغر ، براق الثنايا ، عظيم العينين ، مجموع الحاجبين ، جعدا قططا . شهد العقبة مع السبعين .

وآخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين ابن مسعود ، وشهد بدرا وهو ابن عشرين سنة ، أو إحدى وعشرين ، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله . صلى الله عليه وآله وسلم . وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن في ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة ، وشيعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوصاه بحسن الخلق ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على اليمن ، ولما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف معاذ بن جبل فأخذه الطاعون ، فجعل يقول وهو يغمى عليه: وعزتك إنك لتعلم أني أحبك ، جزعني ما أردت .

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، قال: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، أخبرنا أبو عمرو بن حيويه ، أخبرنا أحمد بن معروف ، حدثنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان ، عن الأعمش ، عن شهر بن حوشب ] ، عن الحارث بن عميرة ، قال: إني لجالس عند معاذ وهو يموت ، فهو يغمى عليه مرة ، ويفيق مرة ، فسمعته يقول عند إفاقته: اخنق خنقك ، فوعزتك إني أحبك .

[قال ابن سعد: وأخبرنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، قال: سمعت] شهر بن حوشب يقول: قال عمر بن الخطاب : لو أدركت معاذ بن جبل فاستخلفته فسألني عنه ربي لقلت: رب سمعت نبيك يقول: "إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم قذفة حجر" . [ ص: 265 ]

[أخبرنا ابن ناصر ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأنماطي ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي ، أخبرنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم ، حدثنا الهيثم بن عدي ، حدثنا محمد بن راشد الخزاعي ] ، عن محفوظ بن علقمة ، عن أبيه: أن معاذا كان يأكل تفاحا ومعه امرأة له وغلام ، فأكلت امرأته نصف تفاحة ثم ناولت الغلام نصفها ، فأوجعها ضربا . ورأى امرأته تطلع من كوة فأوجعها ضربا .

توفي معاذ في طاعون عمواس بناحية الأردن من الشام وهو ابن ثمان وثلاثين سنة .

وقيل: ثلاث وثلاثين سنة

211 - محلم بن جثامة بن قيس :

[أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا أبو عمرو بن حيويه ، أخبرنا ابن معروف ، حدثنا ابن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثنا يزيد بن قسيط ، عن أبيه] ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي عن أبيه ، قال: لما وجهنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي قتادة الأنصاري إلى بطن أطم ، فبينا نحن ننظر أطم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي ، فسلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله وسلبه بعيره ومتاعا ووطيا من لبن ، فلما لحقنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل فيه القرآن: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا الآية . قال محمد بن عمر : وحدثنا غير عبد الله بن يزيد ، قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحنين صلى يوما الظهر ثم تنحى إلى شجرة فقام إليه عيينة بن بدر وهو سيد قيس يطلب دم عامر بن الأضبط ، فقام الأقرع بن حابس يدفع عن محلم؛ لمكان خندف ، [ ص: 266 ] فاختصما بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يأخذ الدية" . فأبى عيينة ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبلوها ، فقال الناس لمحلم: ائت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لك ، فقام وعليه حلة قد تهيأ فيها للقصاص حتى جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان ، فقال: يا رسول الله ، قد كان من الأمر ما بلغك ، وإني أتوب إلى الله فاستغفر لي ، فقال: ما اسمك؟ قال: محلم بن جثامة ، قال: قتلته بسلاحك في غيرة الإسلام ، اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ، بصوت عال أنفذ به الناس ، فعاد فقال: قد كان الذي بلغك ، وإني أتوب إلى الله فاستغفر لي ، فعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصوت عال: "اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة" ثلاثا . فقام من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلقى دموعه بفضل ردائه . فقال ضمرة الأسلمي: كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرك شفتيه بالاستغفار ، ولكنه أراد أن يعلم الناس قدر الدم عند الله ، وكان ضمرة قد شهد ذلك اليوم .

وقال الحسن البصري : لما مات محلم بن جثامة لفظته الأرض بعد دفنه ، ثم دفنوه فلفظته الأرض ، فطرحوه فأكلته السباع .

وقال الحسن : إنها لتقبل ممن هو شر منه ، ولكن الله أحب أن يريكم .

قال الواقدي : نزل محلم حمص وتوفي بها . [ ص: 267 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية