الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفيها فتحت سوق الأهواز ومناذر ونهر تيري

وبعضهم يقول: إنما كان ذلك في سنة ست عشرة

وفيها فتحت تستر

وبعضهم يقول: في سنة تسع عشرة

وفيها كان فتح رامهرمز والسوس وفيها أسر الهرمزان

[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، قال: أخبرنا [ ص: 233 ] المخلص ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا شعيب ، قال: حدثنا سيف ] ، عن محمد ، وطلحة ، والمهلب ، وعمرو ، قالوا:

لم يزل يزدجرد يثير أهل فارس أسفا على ما خرج منهم ، فكتب إليهم وهو بمرو ويذكرهم الأحفاد ويؤنبهم ، أن قد رضيتم يا أهل فارس أن قد غلبتكم العرب على السواد وما والاه والأهواز . ثم لم يرضوا بذلك حتى يوردوكم في بلادكم وعقر داركم ، فتحركوا ، وتكاتب أهل فارس وأهل الأهواز وتعاهدوا وتواثقوا على أهل البصرة ، فكتب إلى عمر بذلك ، فكتب عمر إلى سعد : أن ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن ، وعجل وابعث معه سويد بن مقرن ، وجرير بن عبد الله ، فلينزلوا بإزاء الهرمزان حتى يتبينوا أمره . وكتب إلى أبي موسى : أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا ، وأمر عليهم سهل بن عدي ، وابعث معه البراء بن مالك في جماعة سماهم ، وعلى أهل الكوفة وأهل البصرة جميعا أبا سبرة بن أبي رهم ، فكل من أتاه فمدد له .

وخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة ، فأخذ واسط السواد حتى قطع دجلة بحيال ميسان ، ثم أخذ البر إلى الأهواز ، فانتهى إلى نهر تيري فجازها ، ثم جاز مناذر ، ثم جاز سوق الأهواز ، ثم سار نحو الهرمزان -والهرمزان يومئذ برامهرمز - ولما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره ، فالتقيا فاقتتلا قتالا شديدا ، ثم إن الله تعالى هزم الهرمزان فلحق بتستر . وسار النعمان حتى نزل برامهرمز ، وكان الهرمزان قد صالح المسلمين ، ثم نكث ، فحاصره المسلمون فأكثروا فيهم القتل . وقتل البراء بن مالك فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على المسلمين مائة مبارزة ، وزاحفهم المسلمون في أيام تستر ثمانين مرة في حصارهم ، حتى إذا كان في آخر زحف منها واشتد القتال ، قال المسلمون: يا براء ، أقسم على ربك ليهزمنهم لنا ، فقال: اللهم اهزمهم لنا واستشهدني ، فهزموهم حتى أدخلوهم في خنادقهم ، ثم اقتحموها عليهم ، وأرزوا إلى مدينتهم وأحاطوا بها . فبينا هم على ذلك خرج إلى النعمان رجل فاستأمنه على أن يدله [ ص: 234 ] على مدخل يؤتون منه ، فآمنه فدلهم ، فأقبلوا إلى ذلك المكان ، فأناموا كل مقاتل ، وأرزؤوا الهرمزان إلى القلعة ، وأطافوا به ، فقال: معي مائة نشابة ، والله لا تصلون إلي ما دامت معي منها واحدة ، قالوا: تريد ماذا؟ قال: أن أضع يدي في أيديكم على حكم عمر يصنع بي ما يشاء ، قالوا: فلك ذلك ، فرمى قوسه فأمكنهم من نفسه ، فشدوه وثاقا ، واقتسموا ما أفاء الله عليهم ، وكان سهم الفارس فيها ثلاثة آلاف ، والراجل ألفا .

وخرج من تستر فل فقصدوا السوس ، فاتبعهم أبو سبرة ، وخرج معه بالنعمان وأبي موسى والهرمزان ، فلما أحاطوا به كتبوا بذلك إلى عمر ، ووفد أبو سبرة وفدا إلى عمر فيهم أنس بن مالك ، والأحنف بن قيس ، وأرسل الهرمزان معهم ، فلما دخلوا المدينة هيئوا الهرمزان في هيئته ، فألبسوه كسوته ، ووضعوا على رأسه التاج ، فوجدوا عمر نائما في جانب المسجد ، فقال الهرمزان: أين عمر؟ قالوا: ها هو ذا ، قال: أين حراسه وحجابه ، قالوا: ليس له حارس ولا حاجب ، قال: فينبغي أن يكون نبيا ، قالوا: بل يعمل عمل الأنبياء .

واستيقظ عمر ، فقال: الهرمزان؟ قالوا: نعم هذا ملك الأهواز فكلمه ، فقال: لا حتى لا يبقى من حليه شيء ، فرموا ما عليه وألبسوه ثوبا صفيقا ، فقال عمر: يا هرمزان ، كيف رأيت وبال الغدر؟ فقال: يا عمر ، إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم ، فغلبناكم إذا لم يكن معنا ولا معكم ، فلما كان معكم غلبتمونا . فقال عمر: ما عذرك [وما حجتك] في انتقاضك مرة بعد مرة؟ فقال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك ، قال: لا تخف ذلك ، واستسقى ماء فأتي به في قدح غليظ ، فقال: لو مت عطشا لم أستطع أن أشرب في هذا ، فأتي به في إناء يرضاه ، فجعلت يده ترعد ، وقال: إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب الماء ، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه ، فأكفأه ، فقال عمر: أعيدوا عليه ، ولا تجمعوا عليه القتل والعطش ، فقال: لا حاجة لي في الماء ، إنما أردت أن أستأمن به ، فقال له عمر: إني قاتلك ، قال: قد أمنتني ، قال: كذبت ، فقال أنس: صدق يا أمير المؤمنين ، قد أمنته ، قال: ويحك يا أنس ، أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك ، والله لتأتين بمخرج أو لأعاقبنك ، قال: قلت له: لا بأس عليك [ ص: 235 ] حتى تخبرني ، وقلت: لا بأس عليك حتى تشربه ، وقال له من حوله مثل ذلك ، فأقبل على الهرمزان ، وقال/: تخدعني ، والله لا أنخدع إلا أن تسلم ، فأسلم . ففرض له على ألفين ، وأنزله المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية