الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها: فتح الري: قالوا: وخرج نعيم بن مقرن إلى الري ، فبعث من دخل عليهم من حيث لا يشعرون ، ثم قاتلهم وأخرب مدينتهم .

قال الواقدي : إنما فتح همدان والري في سنة ثلاث وعشرين .

ومنها: فتح قومس: وكتب عمر إلى نعيم أن قدم سويد بن مقرن إلى قومس ، فذهب وأخذها سلما ، وكتب لهم كتاب أمان .

ومنها: أن عمر أمر عبد الرحمن بن ربيعة أن يغزو الترك ، فقصدهم ، فحال الله [ ص: 322 ] بينهم وبين الخروج عليه ، وقالوا: ما اجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت ، فتحصنوا وهربوا ، فرجع بالغنم والظفر في إمارة عمر . ثم غزاهم [غزوات] في زمن عثمان حتى قتل في بعض مغازيه إياهم ، فهم يستسقون بجسده .

وفي هذه السنة: حج عمر بن الخطاب بالناس وفيها: ولد يزيد بن معاوية ، وعبد الملك بن مروان ، وقيل: إنما ولد يزيد في سنة خمس وعشرين .

وفي هذه السنة: خرج الأحنف بن قيس إلى خراسان ، فحارب يزدجرد .

وبعضهم يقول: كان ذلك في سنة ثمان عشرة .

وقد ذكرنا أن الأحنف أشار على عمر بقصد يزدجرد ، وأن عمر عقد الألوية ، ودفع لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس ، فافتتح هراة عنوة ، ثم سار نحو مرو ، وأرسل إلى نيسابور مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وكتب يزدجرد وهو بمرو إلى خاقان يستمده ، وإلى ملك الصغد يستمده ، وإلى ملك الصين يستعين به ، ولحقت بالأحنف أمداد أهل الكوفة ، فسار إلى موضع ، فبلغ يزدجرد ، فخرج إلى بلخ ، فسار أهل الكوفة إلى بلخ ، فالتقوا بيزدجرد ، فهزمه الله تعالى ، فعبر النهر ، ولحق الأحنف بأهل الكوفة ، وفتح الله عليهم ، وعاد الأحنف إلى مروالروذ ، فنزلها ، ثم أقبل يزدجرد ومعه خاقان إلى مروالروذ ، فخرج الأحنف ليلا في عسكره يتسمع ، هل يسمع برأي ينتفع به . فمر برجلين يقول أحدهما للآخر: لو أن الأمير أسندنا إلى هذا الجبل فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقا ، وكان الجبل في ظهورنا أمنا أن يأتونا من خلفنا ، ورجونا أن ينصرنا الله تعالى .

فارتحل ، فأسندهم إلى الجبل ، ثم خرج الأحنف ليلة فرأى كبيرا منهم فقتله ثم آخر ثم آخر ، وانصرف إلى عسكره ولم يعلم به أحد ، فخرجوا فرأوا أولئك مقتولين ، فقال خاقان: [ ص: 323 ]

ما لنا في قتال هؤلاء خير . فانصرف بأصحابه إلى بلخ ، فقال يزدجرد : إني أريد أن أتبع خاقان فأكون معه . فقالوا: أتدع قومك وأرضك وتأتي قوما في مملكتهم ، عد بنا إلى هؤلاء القوم [نصالحهم فإن عدوا يلينا في بلادنا أحب إلينا من عدو يلينا في بلاده] .

فأبى عليهم ، وأبوا عليه إلى أن قالوا له: فدع خزائننا نردها إلى بلادنا . فأبى عليهم وأبوا عليه . فقالوا: إنا لا ندعك . فاعتزلوا وتركوه في حاشيته ، وقاتلوه فهزموه ، وأخذوا الخزائن ، واستولوا عليها وركبوه ، وكتبوا إلى الأحنف بالخبر ، ومضى يزدجرد بالأثقال إلى فرغانة والترك ، فلم يزل مقيما زمان عمر كله ، فأقبل أهل فارس إلى الأحنف بن قيس ، وصالحوه ، وعاقدوه ، ودفعوا إليه الخزائن والأموال ، ورجعوا إلى بلادهم وأموالهم على أفضل ما كانوا في زمان الأكاسرة ، وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهم الفارس يوم القادسية .

ولما رجع أهل خراسان زمان عثمان أقبل يزدجرد حتى نزل قم ، واختلف هو ومن معه ، فقتل ورمي في النهر .

وما عرفنا أحدا من الأكابر توفي في هذه السنة . [ ص: 324 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية