الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل [خبر ما بعد الحيرة]

ولما فتح خالد الحيرة قام شويل ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر فتح الحيرة ، فسألته كرامة بنت عبد المسيح ، فقال: "هي لك إذا فتحت عنوة" . وشهد له بذلك ، [ ص: 105 ]

[وعلى ذلك صالحهم] ، فدفعها إليه ، وكان يهزأ بها دهره ، فاشتد ذلك على أهلها ، فقالت: ما تخافون على امرأة قد بلغت ثمانين سنة ، وإنما هذا رجل أحمق رآني في شبيبتي ، فظن أن الشباب يدوم ، فلما أخذها قالت: ما أربك إلى عجوز كما ترى ، فادني ، فقال: لست لأم شويل إن [نقصتك] من ألف درهم ، فاستكثرت ذلك لتخدعه ثم أتته بها .

فلما سمع الناس ذلك عنفوه ، فقال: ما كنت أرى عددا يزيد على ألف .

ولما صالح خالد أهل الحيرة خرج إليه صلوبا صاحب قس الناطف ، فصالحه على بانقيا وبسما على ألوف في كل سنة .

وبعث خالد بن الوليد عماله وبعث آخرين على ثغور ، ثم إن خالدا كتب إلى أهل فارس وهم في المدائن مختلفون لموت أردشير ، وكتب كتابين: كتابا إلى الخاصة ، وكتابا إلى العامة ، وقال لرجل: ما اسمك؟ قال: مرة قال: خذ هذا الكتاب فأت به أهل فارس ، لعل الله أن يمر عليهم عيشهم ، وقال لآخر: ما اسمك؟ قال: هزقيل ، قال: خذ هذا الكتاب ، [وقال]: اللهم أرهق نفوسهم ، وكان في أحد الكتابين:

"بسم الله الرحمن الرحيم ، من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس ، أما بعد ، فالحمد لله الذي حل نظامكم ، ووهن كيدكم ، وفرق كلمتكم ، [ولو لم يفعل ذلك بكم كان شرا لكم] ، فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ، ونجوزكم إلى غيركم ، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة" .

وكان في الكتاب الآخر: "بسم الله الرحمن الرحيم ، من خالد بن الوليد إلى [ ص: 106 ] مرازبة فارس ، أما بعد ، فالحمد لله الذي فرق كلمتكم ، وفل حدكم ، وكسر شوكتكم ، فاسلموا تسلموا ، وإلا فأدوا الجزية ، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت ، كما تحبون الخمر" .

وكان أهل فارس لموت أردشير مختلفين في الملك ، وكانوا بذلك سنة ، والمسلمون يمخرون ما دون دجلة وليس لأهل فارس فيما بين الحيرة ودجلة أمر ، وأمر خالد رسوليه أن يأتياه بالخبر ، وأقام في عمله سنة ، ومنزله الحيرة ، ويصعد ويصوب ، وأهل فارس يخلعون ويملكون ، وذلك أن شيري بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بن قباذ ، ووثب أهل فارس بعده وبعد أردشير ، وبعد أردشير ابنه ، فقتلوا كل من بين كسرى بن قباذ وبين بهرام جور ، فبقوا لا يقدرون على من يملكونه ممن يجتمعون عليه .

واستقام لخالد من أسفل الفلاليج إلى أسفل السواد ، وفرق سواد الحيرة على جماعة من أصحابه ، وفرق سواد الأبلة على جماعة من أصحابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية