الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الحوادث التي كانت حين استخلف أبو بكر رضي الله عنه من ذلك أنه خرج عقيب ولايته ليتجر في السوق على عادته

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا ابن معروف ، حدثنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، قال: حدثنا هشام الدستوائي ، قال: حدثنا] عطاء بن السائب ، قال:

لما استخلف أبو بكر رضي الله عنه ، أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ، فلقيه عمر [بن الخطاب] وأبو عبيدة [بن الجراح] فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق ، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ فقال: من أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا ، فانطلق معهما ، ففرضوا له كل يوم شطر شاة .

[قال ابن سعد: وحدثنا عفان ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة] ، عن حميد بن هلال ، قال:

لما ولي أبو بكر رضي الله عنه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يغنيه ، قالوا: نعم ، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما ، وظهره إذا سافر ، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف ، قال أبو بكر: رضيت . [ ص: 72 ]

قال ابن سعد: [وحدثنا روح بن عبادة ، قال: حدثنا ابن عون] عن عمر بن إسحاق:

أن رجلا رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة ، فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها ، فقال: إليك عني لا تغيرني أنت وابن الخطاب عن عيالي .

قال محمد بن سعد: [وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش] ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال:

لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين ، فقال: زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة ، قال: فزادوه خمسمائة .

قال: وكان يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا مناتح دارنا ، فسمعها أبو بكر ، فقال: بلى [لعمري] لأحلبنها لكم ، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه ، فكان يحلب لهم .

وروى الواقدي عن أشياخه ، قال: كان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة ، فأقام بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى منزله بالمدينة ، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس ، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح ، وكان إذا لم يحضر صلى [ ص: 73 ] بهم عمر ، وكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالنسغ ، يصبغ رأسه ولحيته ، ثم يروح إلى الجمعة .

وكان رجلا تاجرا ، وكان كل يوم يغدو إلى السوق فيبيع ويبتاع ، وكانت له قطعة غنم تروح عليه ، وربما خرج هو بنفسه فيها ، [وكان يحلب للحي أغنامهم] ، وأنه نزل المدينة ، وقال: ما يصلح أمر الناس والتجارة ، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه [ويصلح عياله] يوما بيوم ، وكان الذي فرضوا له في السنة ستة آلاف درهم ، فلما حضرته الوفاة ، قال: أرضي التي بمكان كذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم ، فدفع ذلك إلى عمر ، ولقوح ، وعبد صيقل ، وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم ، فقال عمر: لقد أتعب من بعده .

وفي رواية أخرى أنه قال: انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال فاقضوه ، فنظر عمر فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف في ولايته

التالي السابق


الخدمات العلمية