الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خبر ردة اليمن

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى المهاجر بن أمية صنعاء ، وزياد بن لبيد حضرموت ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما على عملهما ، فانتقضت كندة على زياد بن لبيد إلا طائفة منهم ثبتوا معه ، فقيل له: إن بني عمرو بن معاوية قد جمعوا لك فعاجلهم فثبتهم وحاز غنائمهم ثم أقبل بها راجعا ، فمر بالأشعث بن قيس ، فخرج الأشعث في قومه يعترض لزياد ، فأصيب ناس من المسلمين وانحاز زياد ثم كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه يخبره بذلك ، وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى المهاجر بصنعاء أن يمد زيادا بنفسه ، فسار إليه المهاجر ، ثم إنهما جمعا ولقوا المشركين ، فأثخنوهم . [ ص: 87 ]

ووجه أبو بكر رضي الله عنه عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة مددا لزياد ، فقدموا عليه وقد قتل أولئك وغنم أموالهم فأشركهم في الغنيمة .

وتحصنت ملوك كندة ومن بقي معهم في النجير وأغلقوا عليهم فجثم عليهم زياد والمهاجر وعكرمة ، وكان في الحصن الأشعث بن قيس ، فلما طال الحصار ، قال الأشعث: أنا أفتح لكم باب الحصن وأمكنكم ممن فيه على أن تؤمنوا لي عشرة ، فأعطوه ذلك ، ففتح باب الحصن ، ثم عزل عشرة أنفس ولم يعد فيهم نفسه وهو يرى أنهم لا يحسبون به في العشرة ، فقالوا: إنما صالحناك على عشرة ، فنحن نعفو عن هؤلاء ونقتلك لأنك لم تعد نفسك فيهم ، فقال لهم: وإن ظنكم ليدلكم على أني أصالح عن غيري وأخرج بغير أمان ، فجادلهم وجادلوه ، فقالوا: نرد أمرك إلى أبي بكر رضي الله عنه فيرى فيك رأيه ، وأمر زياد بكل من في الحصن أن يقتلوا فقتلوا ، وكانوا سبعمائة ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وحمل الأشعث إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فزعم أنه قد تاب ودخل في الإسلام ، وقال: من علي وزوجني أختك ، فإني قد أسلمت ، فزوجه أبو بكر رضي الله عنه أم فروة بنت أبي قحافة ، فولدت له محمدا ، وإسحاق ، وإسماعيل ، فأقام بالمدينة ، ثم خرج إلى الشام في خلافة عمر رضي الله عنه ، وكانت ردة اليمن سنة إحدى عشرة .

روى المؤلف بإسناده عن أبي رجاء العطاردي ، قال: دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين ، ورأيت رجلا يقبل رأس رجل وهو يقول: أنا فداؤك ، لولا أنت لهلكنا ، فقلت: من المقبل ومن المقبل ، قالوا: ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر رضي الله عنهما في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين .

وفي هذه السنة كتب معاذ بن جبل وعمال اليمن إلى أبي بكر يستأذنونه في القدوم ، فكتب إليهم:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثكم لما بعثكم له من أمره ، فمن كان أنفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاء أن [ ص: 88 ] يرجع فليرجع وليستخلف على عمله ، ومن شاء أن يقيم فليقم ، فرجعوا .

فلما قدم معاذ لقي عمر بن الخطاب فاعتنقا وعزا كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان مع معاذ الخراج ، وكان معه وصفاء قد عزلهم ، فقال عمر: ما هؤلاء؟

قال: أهدوا لي ، فقال عمر: أطعني وائت بهم أبا بكر فليطيبهم لك ، قال معاذ: لا لعمري آتي أبا بكر بمالي يطيبه لي ، فقال عمر: إنه ليس لك . فلما كان الليل وأصبح أتاه فقال له: لقد رأيتني البارحة كأني أدنو إلى النار ، وأنت آخذ بحجزتي ، إني وجدت الأمر كما قلت . فأتى أبا بكر فاستحلها فأحلهم .

فبينما معاذ قائم يصلي رأى رقيقه يصلون كلهم ، فقال لهم: ما تصنعون؟ قالوا:

نصلي ، قال: لمن؟ قالوا: لله عز وجل ، [قال]: فاذهبوا فأنتم لله ، فأعتقهم .

وفي هذه السنة حج بالناس عمر بن الخطاب ، وقيل: بل عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: عتاب بن أسيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية