الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ورعه وزهده وخوفه

[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا المخلص ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا السري بن يحيى ، حدثنا شعيب ، حدثنا سيف عن أشياخه] ، قالوا:

نزل ملك الروم القرو ، وكاتب عمر رضي الله عنه وقاربه وسأله عن كلمة يجتمع فيها العلم كله ، فكتب إليه: أحب للناس ما تحب لنفسك ، [واكره لهم ما تكره لها تجمع لك الحكمة كلها] وبعث إليه بقارورة: أن املأ لي هذه القارورة من كل شيء فملأها ماء .

وبعث أم كلثوم بنت علي إلى ملكة الروم بطيب وأحفاش من أحفاش النساء ، ودسته إلى البريد فأبلغه لها ، فجمعت امرأة هرقل نساءها وقالت: هذه هدية امرأة ملك العرب ، وبنت نبيهم ، فكاتبيها وكافئيها ، وأهدت لها فيما أهدت عقدا فاخرا ، فلما جاء به البريد أمره عمر بإمساكه ، ودعا بالصلاة جامعة ، فصلى بهم ركعتين ، وقال: إنه لا خير في أمر أبرم من غير شورى ، فقولوا لي في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم ، فقال قائلون: هو لها ، وقال آخرون: قد كنا نهدي لنستثيب ، فقال: ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم ، والمسلمون عظموها في صدرها ، فأمر بردها في بيت المال ، ورد عليها بقدر نفقتها .

[أخبرنا محمد بن أبي طاهر ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا ابن [ ص: 140 ] معروف ، حدثنا الحسين بن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد أخبرنا الفضل بن دكين ، وعبد الوهاب بن عطاء ، قالا: أخبرنا عبد الله العمري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، ] قال: صحبت عمر بن الخطاب من المدينة إلى مكة في الحج ثم رجعنا فما ضرب فسطاطا ، ولا كان له بناء يستظل به ، إنما كان يلقي نطعا أو كساء على سحره فيستظل تحته .

[قال محمد بن سعد: وحدثنا محمد بن عمر ، قال: حدثني عثمان بن عبد الله بن زياد ، عن أيوب بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه] ، قال: مكث عمر زمانا لا يأكل من بيت المال شيئا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة ، وأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستشارهم ، فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر ، فما يصلح لي منه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم ، قال: وقال ذلك سعيد بن زيد [بن عمرو بن نفيل] ، وقال لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء ، قال: فأخذ عمر بذلك .

قال محمد بن عمر: [وحدثني الجحاف بن عبد الرحمن ، عن عيسى] بن معمر قال: نظر عمر بن الخطاب عام الرمادة إلى بطيخة في يد بعض ولده ، فقال: بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين ، تأكل الفاكهة وأمة محمد هزلى؟ فخرج الصبي هاربا وبكى فأسكت عمر بعد ما سأل عن ذلك ، فقالوا: اشتراها بكف من نوى . [ ص: 141 ]

[قال محمد بن سعد: وأخبرنا عفان ، قال: حدثنا مهدي بن ميمون ، قال: حدثنا سعيد الجريري] ، عن أبي عثمان [النهدي] ، قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة بعضها بأديم أحمر .

[قال محمد بن سعد: وأخبرنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا شعبة ، عن عاصم بن عبد الله بن عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة] ، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التبنة ، ليتني لم أخلق ، ليت أمي لم تلدني ، ليتني لم أكن شيئا ، ليتني كنت نسيا منسيا .

[قال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر ، قال: حدثني عاصم بن عمر ، عن محمد بن عمر ، وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه] ، عن عمر ، قال: لو مات جمل ضائعا على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عز وجل عنه .

[قال ابن سعد: وأخبرنا المعلى بن أسد ، قال: حدثنا وهيب بن خالد ، عن يحيى بن سعيد] ، عن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك .

[قال محمد بن سعد: وأخبرنا عمرو بن عاصم الطلابي ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال: حدثنا حميد بن هلال ، قال: حدثنا زهير بن حيان ، قال: قال] ابن عباس: [ ص: 142 ]

دعاني عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] فأتيته ، فإذا بين يديه نطع عليه الذهب منثور ، فقال: هلم فاقسم هذا بين قومك ، فالله أعلم حيث زوى هذا عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبي بكر وأعطانيه لخير أعطانيه أم لشر . قال: فأكببت عليه أقسمه ، فسمعت البكاء فإذا صوت عمر يبكي ويقول في بكائه: والذي نفسي بيده ما حبسه عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبي بكر [رضي الله عنه] إرادة الشر بهما ، وأعطاه عمر إرادة الخير .

التالي السابق


الخدمات العلمية