الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي كلاع بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم

وأسلمت امرأته ضريبة بنت أبرهة بن الصباح ، واسم ذي الكلاع سميفع بن حوشب .

[أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أنبأنا علي بن أحمد بن السري ، عن أبي عبد الله بن بطة ، حدثنا أبو بكر الأنباري ، أخبرنا أبو الحسن بن البراء ، قال: حدثني أبو [ ص: 8 ] عبد الله الوصافي ، حدثنا سليمان بن معبد أبو داود المروزي ، حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا] علوان بن داود ، عن رجل من قومه ، قال:

بعثني قومي بهدية إلى ذي الكلاع في الجاهلية ، قال: فمكثت سنة لا أصل إليه ، ثم إنه أشرف بعد ذلك من القصر فلم يره أحد إلا خر له ساجدا ، ثم رأيته بعد ذلك في الإسلام قد اشترى لحما بدرهم ، فسمطه على فرسه ، وأنشأ يقول:


أف للدنيا إذا كانت كذا أنا منها كل يوم في أذى     ولقد كنت إذا ما قيل من
أنعم الناس معاشا قيل ذا     ثم أبدلت بعيشي شقوة
حبذا هذا شقاء حبذا

وروى الرياشي عن الأصمعي ، قال: كاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد جرير بن عبد الله يدعوه إلى الإسلام ، وكان قد استعلى أمره حتى دعي إلى الربوبية فأطيع ، ومات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل عود جرير ، وأقام ذو الكلاع على ما هو عليه إلى أيام عمر بن الخطاب ، ثم رغب في الإسلام ، فوفد على عمر [رضي الله عنه ومعه ثمانية آلاف عبد ، فأسلم على يديه وأعتق من عبيده أربعة آلاف ، فقال عمر [رضي الله عنه]: يا ذا الكلاع بعني ما بقي من عبيدك حتى أعطيك ثلث أثمانهم ها هنا ، وثلثا باليمن ، وثلثا بالشام ، قال: أجلني يومي هذا حتى أفكر فيما قلت . ومضى إلى منزله فأعتقهم جميعا ، فلما غدا على عمر قال [له]: ما رأيك فيما قلت لك في عبيدك؟ قال: قد اختار الله لي ولهم خيرا مما رأيت ، قال: وما هو؟ قال: هم أحرار لوجه الله ، قال: أصبت يا ذا الكلاع ، قال: يا أمير المؤمنين لي ذنب ما أظن الله يغفره لي ، قال: ما هو؟ قال: تواريت مرة عن من يتعبد لي ثم أشرفت عليهم من مكان عال ، فسجد لي زهاء عن مائة ألف إنسان ، فقال عمر: التوبة بإخلاص ، والإنابة بإقلاع يرجى معها رأفة الله عز وجل والغفران .

وقال يزيد بن هارون: أعتق ذو الكلاع اثني عشر ألف بيت . [ ص: 9 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية