الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أخبار سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية كانت قد تنبأت في الردة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجزيرة في بني تغلب فاستجاب لها الهذيل وترك التنصر وأقبل معها جماعة فقصدت قتال أبي بكر فراسلت مالك بن نويرة فأجابها ومنعها من قصد أبي بكر وحملها على أحياء من بني تميم ، فأجابت فقالت: أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ، ثم أغيروا على الرباب ، فليس دونهم حجاب ، فذهبوا فكانت بينهم [ ص: 23 ] مقتلة ، ثم قصدت اليمامة فهابها مسيلمة ، وخاف أن يتشاغل بحربها فيغلبه ثمامة بن [أثال وشرحبيل بن حسنة] ، فأهدى لها واستأمنها فجاء إليها .

وفي رواية أخرى أنه قال لأصحابه: اضربوا لها قبة وجمروها لعلها تذكر الباه ، ففعلوا فلما أتته قالت له: اعرض ما عندك ، فقال لها: إني أريد أن أخلو معك حتى نتدارس ، فلما خلت معه قالت: اقرأ علي ما يأتيك به جبريل ، فقال لها: إنكن معشر النساء خلقتن أفواجا ، وجعلتن لنا أزواجا نولجه فيكن إيلاجا ، ثم نخرجه منكن إخراجا ، فتلدن لنا أولادا ثجاجا فقالت: صدقت ، أشهد أنك نبي ، فقال لها: هل لك أن أتزوجك فيقال نبي تزوج نبية؟ فقالت: نعم ، فقال:


ألا قومي إلى المخدع فقد هيي لك المضجع     فإن شئت على اثنين
وإن شئت على أربع     وإن شئت ففي البيت
وإن شئت ففي المخدع     وإن شئت بثلثيه
وإن شئت به أجمع

فقالت: بل به أجمع فهو أجمع للشمل ، فضربت العرب بها المثل ، فقالت: "أغلم من سجاح" . فأقامت معه ثلاثا وخرجت إلى قومها ، فقالت: إني قد سألته فوجدت نبوته حقا ، وإني قد تزوجته [فقالوا: مثلك لا يتزوج بغير مهر ، فقال مسيلمة: مهرها أني قد رفعت عنكم صلاة الفجر والعتمة] . [ ص: 24 ]

ثم صالحته على أن يحمل إليها النصف من غلات اليمامة وخلفت من يقبض ذلك ، فلم يفجأهم إلا دنو خالد منهم ، فارفضوا .

وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثمامة بن أثال ومن يجتمع معه أن يجادلوا مسيلمة وأمره أن يستنجد رجالا قد سماهم ممن حولهم من تميم وقيس ، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوه ، وكانت بنو حنيفة فريقين: فرقة مع مسيلمة وهم أهل حجر ، وفرقة مع ثمامة .

وأنهم التقوا فهزمهم مسيلمة ، ولم تزل سجاح في بني تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة في زمانه ، فأسلمت وحسن إسلامها .

التالي السابق


الخدمات العلمية