الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر



212 - الأغلب بن جشم بن سعد بن عجل بن جشم :

عمر في الجاهلية طويلا ، وأدرك الإسلام ، فحسن إسلامه ، وهاجر ، ثم كان ممن توجه إلى الكوفة مع سعد بن أبي وقاص ، فاستشهد في وقعة نهاوند ، فقبره هناك مع قبور الشهداء ، وهو أول من رجز الأراجيز ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد كتب إلى [ ص: 282 ] المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة : أن استنشد من قبلك من الشعراء ما قالوه في الإسلام ، فقال لبيد: أبدلني الله سورة البقرة مكان الشعر ، وجاء الأغلب بن المغيرة ، فقال:


أرجزا تريد أم قصيدا لقد سألت هينا موجودا

فكتب المغيرة بذلك إلى عمر ، فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد ، [فكتب الأغلب إلى عمر: أتنقص عطائي أن أطعتك ، فرد عليه خمسمائة وأقرها في عطاء لبيد]

213 - صفوان بن المعطل بن رخيصة أبو عمرو الذكواني السلمي :

أسلم قبل غزوة المريسيع ، وشهدها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهد الخندق والمشاهد بعدها ، قتل يوم أرمينية ، وقيل: مات بشميشاط سنة ستين .

214 - طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان :

وكان طليحة يعد بألف فارس؛ لشدته وشجاعته وبصره بالحرب .

وفد طليحة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة تسع في جماعة فأسلموا ، ثم ارتدوا ، وادعى النبوة -على ما سبق شرحه- فلما أوقع بهم خالد بن الوليد ببزاخة هرب طليحة حتى قدم الشام ، فأقام حتى توفي أبو بكر رضي الله عنه ، ثم خرج محرما بالحج ، وقدم مكة ، فلما رآه عمر قال: يا طليحة ، لا أحبك بعد قتل الرجلين الصالحين: عكاشة بن محصن ، وثابت بن أقرم -وكانا طليعتين لخالد بن الوليد فلقيهما طليحة وأخوه سلمة فقتلاهما- فقال طليحة : يا أمير المؤمنين ، رجلان أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما . فأسلم إسلاما صحيحا ، وشهد القادسية ونهاوند ، وكتب عمر رضي الله عنه:

شاوروا طليحة في حربكم ولا تولوه شيئا ، وقتل بنهاوند .

215 - عمرو بن معديكرب بن عبيد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد ، أبو ثور الزبيدي :

كان فارسا شجاعا شاعرا ، له في الجاهلية الغارات العظيمة والوقائع العجيبة ، وكان على سيفه مكتوب: [ ص: 283 ]


ذكر على ذكر يصول بصارم     ذكر يمان في يمين يماني

كان عمرو لقي حيي الكندية بذي المجاز -وهي سوق عرفات- فأعجبه جمالها وعقلها ، فعرض عليها نفسه وقال: هل لك في كفؤ كريم ضروب لهام الرجال غشوم موات ، لك طيب الجسم من سعد العشيرة في الصميم ، قالت: أمن سعد العشيرة؟ قال: من سعد العشيرة في أرومة محتدها وعزتها المنيرة ، إن كنت بالفرصة بصيرة ، قالت: إن لي بعلا يصدق اللقاء ، ويخيف الأعداء ، ويجزل العطاء ، قال: لو علمت أن لك بعلا ما سمتك نفسك ولا عرضت نفسي عليك ، فكيف أنت إن قتلته؟ قالت: لا أصيف عنك ولا أعدل بك ولا أقصر دونك ، وإياك أن يغرك قولي فتعرض نفسك للقتل ، فإني أراك مفردا من الناصر والأهل ، وصاحبي في عزة من الأهل وكثرة المال ، فانصرف عنها عمرو ، وجعل يتبعها وهي لا تعلم ، فلما قدمت على زوجها سألها عما رأت في طريقها ، فقالت: رأيت رجلا مخيلا للناس يتعرض للقتال ، ويخطب حلائل الرجال ، فعرض نفسه علي فوصفتك له . فقال زوجها: ذاك عمرو ، ولدتني أمه إن لم أتك به مقرونا مجنونا إلى حمل صعب المراس غير ذلول .

فلما سمع عمرو كلامه دخل عليه بغتة فقتله ، ووقع عليها ، فلما قضى وطره منها قال لها: إني لم أقع على امرأة قط -في جماعي إلا حملت ، ولا أراك إلا قد فعلت ، فإن رزقت غلاما فسميه الخزر ، وإن رزقت جارية فسميها عكرشة ، وجعل ذلك بينهما أمارة ، ثم مضى لطيبه ، ثم خرج يوما يتعرض للقتال ، فإذا هو برجل على فرس شاكي السلاح ، فدعاه عمرو للمبارزة ، فلما اتحدا صرع الفتى عمرا وجلس على صدره يريد ذبحه ، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عمرو ، فقام الفتى عن صدره وقال: أنا ابنك الخزر ، فقال له عمرو: سر إلى صنعاء ولا تنافني في بلد ، فلم يلبث أن ساد من هو بين ظهريه ، فاستنفروه وأمروه بقتال أبيه ، وشكوا إليه غارات عمرو عليهم ، فالتقيا فقتله عمرو . [ ص: 284 ]

[وروى عباس بن هشام بن محمد الكلبي ، قال: حدثني] أبو المنذر ، عن أبيه ، قال: لما انتهى خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمرو بن معديكرب قال لقيس بن مكشوح : يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لي أمر هذا القرشي الظاهر بالحجاز الذي يزعم أنه نبي فانطلق بنا إليه فلنعلم علمه ، فإن كان نبيا كما يقول لم يخف علينا أمره ، فأبى قيس وسفه رأيه ، فركب عمرو راحلته مع وفد من بني زبيد ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

قال عمرو: فوافيته قافلا من غزوة تبوك ، فذهبت أتقدم إليه فمنعت من ذلك حتى أذن لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: خلوا سبيل الرجل ، فأقبلت حتى دنوت منه ، فقلت له: أنعم صباحا أبيت اللعن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عمرو ، إن لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على الذين لا يؤمنون ، فآمن بالله ورسوله يؤمنك الله يوم الفزع الأكبر" . قال عمرو: ما الفزع؟ فإني لا أفزع من شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه ليس بما ترى وتحسب ، إنه إذا كان يوم الفزع الأكبر صيح بالناس صيحة لا يبقى ذو روح إلا مات ، ولا ميت إلا نشر ، وما شاء الله من ذلك ، وتلج تلك الصيحة حتى تدور منها الأرض ، وتخر منها الجبال ، وتنشق منها السماء ، وتبرز النار ، لها لسانان ترمي بشرر مثل أفلاق الجبال ، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه ، وذكر ذنبه ، فأين أنت من الفزع يا عمرو؟ " . قال عمرو: لا أين يا رسول الله . قال: "فأسلم إذن" قال عمرو: فأسلمت .


قال علماء السير: أسلم عمرو ، وسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى عنه ، ثم ارتد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم عاد إلى الإسلام ، وبعثه عمر إلى سعد بن أبي وقاص بالقادسية ، وكتب إليه: قد أمددتك بألفي رجل: عمرو بن معديكرب ، وطليحة بن خويلد ، فشاورهما في الحرب ولا تولهما شيئا ، فأبلى عمرو يومئذ بلاء حسنا . قال عمرو: وكانت خيل المسلمين تنفر من الفيلة يوم القادسية ، وخيل الفرس لا تنفر ، فأمرت رجلا فترس عني ثم دنوت من الفيل وضربت خطمه فقطعته ، [فنفر] ونفرت الفيلة فحطمت العسكر ، وألح المسلمون عليهم حتى انهزموا ، وكان لعمرو يومئذ من العمر ثلاثون ومائة سنة . [ ص: 285 ]

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل عمرو بن معديكرب عن أشياء ، فسأله عن الحرب ، فقال: مرة المذاق إذا كشفت عن ساق ، من صبر فيها عرف ، ومن ضعف فيها تلف . وسأله عن السلاح ، فقال: ما تقول في الرمح؟ فقال: أخوك وربما خانك ، قال: فالنبل؟ قال: منايا تخطئ وتصيب ، قال: فالدرع؟ قال: مشغلة للفارس متعبة للراجل ، وإنه لحصن حصين ، قال: فالترس؟ قال: هو المجن عليه تدور الدوائر ، قال: فالسيف؟ قال: عندها فارتقتك أمك عن الثكل ، فقال له عمر: بل أمك ، قال: بل أمي والحمى أضرعتني لك ، وهذا مثل معناه: أن الإسلام أذلني ولو كنت في الجاهلية لم تجسر أن ترد علي .

وقال له يوما: حدثني عن أشجع من لقيت ، وأجبن من لقيت . فقال: ما

[أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا أبو بكر بن خلف ، وحدثنا عنه محمد بن حريث ، أخبرنا القاسم بن الحسن ، أخبرنا العمري ، أخبرنا الهيثم بن عدي ، عن عبد الله بن عياش ، عن مجالد] ، عن الشعبي ، قال:

دخل عمرو بن معديكرب يوما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال له: يا عمرو ، أخبرني عن أشجع من لقيت ، وأحيل من لقيت ، وأجبن من لقيت ، قال: نعم يا أمير المؤمنين .

خرجت مرة أريد الغارة ، فبينما أنا أسير إذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا رجل جالس ، و [إذا] هو كأعظم ما يكون من الرجال خلقة ، وهو مجتب بسيف ، فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك ، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا عمرو بن معديكرب ، فشهق شهقة فمات ، فهذا أجبن من رأيت يا أمير المؤمنين .

وخرجت يوما آخر حتى انتهيت إلى حي ، فإذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته ، فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك ، قال: من أنت؟

[ ص: 286 ]

قلت: أنا عمرو بن معديكرب ، فقال: يا أبا ثور ، ما أنصفتني ، أنت على ظهر فرسك ، وأنا في بئر ، فأعطني عهدا أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري ، فأعطيته عهدا ألا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره ، فخرج من الموضع الذي كان فيه ، ثم اجتبى بسيفه وجلس ، فقلت: ما هذا؟ قال: ما أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك ، فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت .

ثم إني خرجت يوما آخر حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه ، فلم أر أحدا فأجريت فرسي يمينا وشمالا ، فإذا أنا بفارس ، فلما دنا مني إذا هو غلام وجهه من أجمل من رأيت من الفتيان وأحسنهم ، وإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة ، فلما قرب مني سلم ، فرددت عليه وقلت: من الفتى؟ فقال: الحارث بن سعد فارس الشهباء ، فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك ، فمضى ولم يلتفت إلي فقلت له: يا فتى خذ حذرك فإني قاتلك .

قال: الويل لك ، من أنت؟ قلت: أنا عمرو بن معديكرب ، قال: الحقير الذليل ، والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك ، قال: فتصاغرت نفسي إلي وعظم عندي ما استقبلني به ، فقلت له: خذ حذرك ، فوالله لا ينصرف إلا أحدنا ، قال: اغرب ثكلتك أمك فإني من أهل بيت ما نكلنا عن فارس قط ، فقلت: هو الذي نسمع ، فاختر لنفسك ، فقال: إما أن تطرد لي أو أطرد لك ، فاغتممتها منه فقلت: اطرد لي ، فاطرد وحملت عليه حتى إذا قلت إني قد وضعت الرمح بين كتفيه إذا هو قد صار حزاما لفرسه ثم اتبعني فقرع بالقناة رأسي وقال: يا عمرو خذها إليك واحدة ، فوالله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك ، فتصاغرت إلي نفسي وكان الموت والله يا أمير المؤمنين أحب إلي مما رأيت ، فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا ، فقال: اختر لنفسك ، فقلت: اطرد لي فاطرد ، فظننت أني قد تمكنت منه ، فاتبعته حتى إذا ظننت أني قد وضعت الرمح بين كتفيه ، فإذا هو قد صار لببا لفرسه ، ثم اتبعني فقرع رأسي بالقناة وقال: يا عمرو خذها إليك اثنتين فتصاغرت إلي نفسي فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا ، فقال: اختر لنفسك ، فقلت: اطرد لي ، فاطرد حتى إذا قلت وضعت الرمح بين كتفيه ، وثبت عن فرسه ، فإذا هو على الأرض فأخطأته ومضيت فاستوى على فرسه فاتبعني فقرع رأسي بالقناة ، وقال: يا عمرو خذها إليك ثلاثا ، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك ، فقلت له: اقتلني أحب إلي مما أرى بنفسي وأن يسمع فتيان العرب هذا ، فقال لي: يا عمرو ، إنما العفو ثلاث مرات

[ ص: 287 ]

إني إن استمكنت منك الرابعة قتلتك ، وأنشأ يرتجز ويقول:


وكدت أغلاظا من الإيمان     إن عدت يا عمرو إلى الطغيان
لتوجزن لهب الشبان     وإلا فلست من بني شيبان

فلما قال هذا هبته هيبة شديدة ، وقلت له: إن بي إليك حاجة ، قال: وما هي؟

قلت: أكون لك صاحبا ، ورضيت بذلك يا أمير المؤمنين ، قال: لست من أصحابي ، وكان ذلك والله أشد وأعظم مما صنع ، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: ويحك وهل تدري أين أريد؟ قلت: لا ، قال: أريد الموت عيانا ، فقلت: رضيت بالموت معك ، قال: امض بنا فسرنا جميعا يوما حتى جننا الليل وذهب شطره ، فوردنا على حي من أحياء العرب ، فقال لي: يا عمرو ، في هذا الحي الموت ، وأومأ إلى قبة في الحي ، فقال: وفي تلك القبة الموت الأحمر ، فإما أن تمسك علي فرسي فأنزل فآتي بحاجتي ، وإما أن أمسك عليك فرسك وتأتيني بحاجتي ، فقلت: لا بل انزل ، فأنت أعرف بموضع حاجتك ، فرمى إلي بعنان فرسه ونزل ، ورضيت والله يا أمير المؤمنين أن أكون له سائسا ، ثم مضى حتى دخل القبة فاستخرج منها جارية لم تر عيناي قط مثلها حسنا وجمالا ، فحملها على ناقة ثم قال لي: يا عمرو ، قلت: لبيك ، قال: إما أن تحميني وأقود أنا ، وإما أن أحميك وتقود أنت ، قلت: لا بل تحميني وأقود أنا ، فرمى إلي بزمام ناقته ثم سرنا بين يديه وهو خلفنا ، حتى إذا أصبحنا قال لي: يا عمرو ، قلت: لبيك ما تشاء ، قال: التفت فانظر هل ترى أحدا؟ فالتفت فقلت: أرى جمالا ، قال: اغذذ السير ، ثم قال لي: يا عمرو ، قلت: لبيك ، قال: انظر فإن كان القوم قليلا فالجلد والقوة وهو الموت ، وإن كانوا كثيرا فليسوا بشيء ، قال: فالتفت فقلت: هم أربعة أو خمسة ، قال: أغذ السير ، ففعلت وسمع وقع الخيل عن قرب ، فقال لي: يا عمرو ، كن عن يمين الطريق وقف وحول وجوه دوابنا [إلى الطريق] ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ، ووقف هو عن يسارها ، ودنا القوم منا فإذا هم ثلاثة نفر فيهم شيخ كبير ، وهو أبو الجارية ، وأخواها غلامان شابان ، فسلموا فرددنا السلام ووقفوا عن يسار الطريق ، فقال

[ ص: 288 ]

الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي ، فقال: ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتها ، فقال لأصغر ابنيه: اخرج إليه ، فخرج وهو يجر رمحه ، وحمل عليه الحارث وهو يرتجز ويقول:


من دون ما ترجوه خضب الذابل     من فارس مستكتم مقاتل
ينمي إلى شيبان خير وابل     ما كان سيري نحوها بباطل

ثم شد عليه فطعنه طعنة دق منها صلبه فسقط ميتا . فقال الشيخ لابنه الآخر:

اخرج إليه يا بني فلا خير في الحياة على الذل ، فخرج إليه فأقبل الحارث يرتجز ويقول:


لقد رأيت كيف كانت طعنتي      [والطعن] للقرن شديد بهمتي
والموت خير من فراق خلتي     فقتلي اليوم ولا مذلتي

ثم شد عليه فطعنه طعنة سقط منها ميتا ، فقال له الشيخ: خل عن الظعينة يا ابن أخي ، فإني لست كمن رأيت ، قال: ما كنت لأخليها ولا لهذا قصدت ، فقال الشيخ: اختر يا ابن أخي ، فإن شئت طاردتك ، وإن شئت نازلتك ، قال: فاغتنمها الفتى فقال: نازلني ، ثم نزل ونزل الشيخ وهو يرتجز ويقول:


ما أرتجي عند فناء عمري     سأجعل السنين مثل الشهر
شيخ يحامي دون بيض الخدر     إن استباح البيض قصم الظهر

سوف ترى كيف يكون صبري

فأقبل إليه الحارث وهو يرتجز ويقول:


بعد ارتحالي وطويل سفري     وقد ظفرت وشفيت صدري
والموت خير من لباس الغدر     والعار أهديه لحي بكر

ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابن أخي إن شئت ضربتك ، فإن بقيت فيك قوة ضربتني ، وإن شئت فاضربني فإن بقيت في قوة ضربتك ، فاغتنمها الفتى فقال: أنا أبدأ [ ص: 289 ] أول ، قال: هات ، فرفع الحارث السيف ، فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرب بطنه ضربة قد منها أمعاءه ، ووقعت ضربة الحارث في رأسه فسقطا ميتين ، فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف ، ثم أقبلت إلى الناقة ، فقدت أعنة الأفراس بعضها إلى بعض وجعلت أقودها ، فقالت لي الجارية: يا عمرو ، إلى أين ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت ، ولو كنت صاحبي لسلكت سبيلهم ، فقلت: اسكتي ، قالت: فإن كنت صادقا فأعطني رمحا أو سيفا فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك ، فقلت لها: ما [أنا] بمعطيك ذلك وقد عرفت أصلك وجرأة قومك وشجاعتهم ، فرمت بنفسها عن البعير ثم أقبلت إلي وهي ترتجز وتقول:


أبعد شيخي وبعد أخوتي     أطلب عيشا بعدهم في لذتي

هلا يكون قبل ذا منيتي

ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنتزعه من يدي ، فلما رأيت ذلك منها خفت إن هي ظفرت بي أن تقتلني فقتلتها .

فهذا أشد ما رأيت يا أمير المؤمنين ، فقال عمر: صدقت .

قال علماء السير: قتل النعمان وطليحة وعمرو بن معديكرب يوم نهاوند وقبورهم هناك .

وقال بعض العلماء: دفن عمرو بن معديكرب بروذة وهي بين قم والري ، وهناك مات .

ورثته امرأة فقالت:


لقد غادر الركب الذين تحملوا     بروذة شخصا لا ضعيفا ولا غمرا
فقل لزبيد بل لمذحج كلها     فقدتم أبا ثور سنانكم عمرا
وإن تجزعوا لم يغن ذلك عنكم     ولكن سلوا الرحمن يعقبكم صبرا

[ ص: 290 ] وقيل: إنه بقي إلى خلافة عثمان . وقيل: أدرك خلافة معاوية ، والأول أصح 216 - عياش بن [أبي] ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:

أمه أسماء بنت مخرمة ، أم أبي جهل ، فهو أخو أبي جهل لأمه . أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، ثم قدم مكة ، ثم هاجر إلى المدينة وصاحب عمر بن الخطاب ، فلما نزل قباء قدم عليه أخواه لأمه ، أبو جهل والحارث ابنا هشام ، فلم يزالا به حتى رداه إلى مكة فأوثقاه وحبساه ، ثم أفلت فقدم المدينة ، فلم يزل بها . فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الشام مجاهدا ، ثم عاد إلى مكة ، فتوفي بها . رحمه الله

217 - النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن عمرو :

شهد الخندق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ستة إخوة له ، النعمان ، وسويد ، وسنان ، ومعقل ، وعقيل ، وعبد الرحمن .

وكان النعمان يحمل أحد ألوية مزينة الثلاثة يوم الفتح ، وكان أمير الناس يوم نهاوند ، وعلى ميمنته الأشعث بن قيس ، وعلى ميسرته المغيرة بن شعبة .

وكان النعمان أول قتيل قتل يومئذ ، على ما سبق ذكره . [ ص: 291 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية