الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر



238 - جندب بن جنادة ، أبو ذر

وفي اسمه ونسبه خلاف قد ذكرته في كتاب "التلقيح" .

كان طويلا أدم ، وكان يشهد أن لا إله إلا الله ، وكان يتعبد قبل الإسلام . وقيل: له: أين كنت تتوجه؟ قال: أين وجهني الله عز وجل ، ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأسلم ، وخرج يصرخ بالشهادة فضربوه ، فأكب عليه العباس وقال لقريش: أنتم تجتازون [بهم وطريقكم] على غفار . فتركوه ورجع إلى قومه .

وكان يعرض لعيرات قريش فيقتطعها ويقول: لا أرد لكم منها شيئا حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فإن فعلوا رد ما أخذ منهم ، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئا ، فبقي على ذلك إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضت بدر وأحد ، ثم قدم فأقام بالمدينة ثم مضى إلى الشام ، فاختلف هو ومعاوية في قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب . وقال أبو ذر: نزلت فينا وفيهم . فدار بينهما كلام ، فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه ، فكتب إليه أن أقدم ، فقدم المدينة ، فاجتمع الناس عليه ، فذكر ذلك لعثمان ، فقال له: إن شئت تنحيت قريبا ، فخرج إلى الربذة ، فمات بها .

ذكر وفاته:

[أنبأنا محمد بن عبد الباقي ، قيل: أنبأكم أبو إسحاق البرمكي ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: حدثنا الحسين بن الفهم قال: أخبرنا إسحاق بن إسرائيل قال: أخبرنا يحيى بن سليم ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الأشتر ، عن أبيه] ، أنه لما حضر أبا ذر الموت بكت امرأته [ ص: 347 ] فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لأنه لا بد أن لي بنعشك وليس لي ثوب من ثيابي يسعك كفنا ، وليس لك ثوب يسعك . قال: لا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: "ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين" وليس من أولئك النفر رجل إلا قد مات في قرية وجماعة من المسلمين ، وأنا الذي أموت بفلاة ، والله ، ما كذب ولا كذبت ، فأبصري الطريق ، فقالت: أنى وقد انقطع الحاج ، وتقطعت الطرق . وكانت تشتد إلى كثيب تقوم عليه تنظر ثم ترجع إليه فتمرضه ثم ترجع إلى الكثيب . فبينا هي كذلك إذا هي بنفر تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم ، فلاحت بثوبها ، فأقبلوا حتى وقفوا عليها . قالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه -أو قالت: امرؤ من المسلمين يموت فتكفنونه ، وهو الأصح- قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر . ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه ، حتى جاءوا فقال: أبشروا ، فحدثهم الحديث الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة ، فيحتسبان ويصبران فيريان النار ، أتسمعون لو كان لي ثوب يسعني كفنا لم أكفن به إلا في ثوب هو لي أو لامرأتي ثوب يسعني كفنا إلا في ثوبها ، فأنشدكم الله والإسلام أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو نقيبا أو بريدا ، فكل القوم قد كان قارف بعض ذلك إلا فتى من الأنصار قال: أنا أكفنك ، فإني لم أصب مما ذكرت شيئا ، أكفنك في ردائي هذا الذي علي ، وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي . قال: أنت ، فكفني . قال فكفنه الأنصاري والنفر الذين شهدوه ، فيهم جحش بن الأدبر ، ومالك بن الأشتر في نفر كلهم يمان . [ ص: 348 ]

وذكر ابن إسحاق أن ابن مسعود صلى عليه منصرفه من الكوفة

239 - عبد الله بن قيس بن زيادة بن الأصم

وأمه عاتكة ، وهي: أم مكتوم بنت عبد الله بن عتيكة بن عامر

أسلم ابن أم مكتوم بمكة قديما ، وكان ضرير البصر ، ذهبت عيناه وهو غلام ، وقدم المدينة مهاجرا . قال البراء : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب ، ثم ابن أم مكتوم ، فكان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مع بلال ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة .

[أنبأنا محمد بن عبد الباقي ، قال: أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا أبو معاوية قال:] حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا مع رجال من قريش ، فيهم عتبة بن ربيعة وناس من وجوه قريش وهو يقول لهم: أليس حسنا إن جئت بكذا فيقولون: بلى . فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم ، فسأله عن شيء فأعرض ، فأنزل الله تعالى: عبس وتولى أن جاءه الأعمى يعني: ابن أم مكتوم أما من استغنى يعني: عتبة وأصحابه فأنت له تصدى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى يعني ابن أم مكتوم .

[قال ابن سعد: وأخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت ] ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نزلت: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فقال عبد الله بن أم مكتوم : أي رب ، أنزل عذري ، أين عذري؟ فأنزل الله: غير أولي الضرر فجعلت بينهما ، وكان بعد ذلك يغزو [ ص: 349 ] فيقول: ادفعوا إلي اللواء ، فإني أعمى لا أستطيع أن أفر ، وأقيموني بين الصفين .

[قال عفان: وحدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ] ، عن أنس بن مالك : أن عبد الله بن أم مكتوم يوم القادسية كانت معه راية له سوداء وعليه درع .

240 - عمرو بن عتبة بن فرقد بن حبيب السلمي

[كان] أبوه عتبة من الصحابة ، كان يتولى الولايات ويجتهد بابنه عمرو أن يعينه على ذلك ، فلا يفعل زهدا في الدنيا .

[أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، وعبد القادر بن محمد ، قالا: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال: أخبرنا أبو بكر بن نحيب ، قال: حدثنا أبو جعفر بن ذريح ، قال: حدثنا هناد ، قال: حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الله] بن الربيعة قال: كنت جالسا مع عتبة بن فرقد ومعضد العجلي ، وعمرو بن عتبة فقال: يا عبد الله بن الربيعة ، ألا تعينني على ابن أختك يعينني على ما أنا فيه من عملي؟ فقال عبد الله: يا عمرو ، أطع أباك . قال: فنظر عمرو إلى معضد فقال له: لا تطعه واسجد واقترب [فقال عمرو: يا أبي ، إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي . فبكى عتبة ثم قال: يا بني ، أحبك حبين: حبا لله ، وحب الوالد لولده] .

فقال عمرو: يا أبت ، إنك قد كنت أثبتني بمال بلغ سبعين ألفا ، فإن كنت سائلي عنه فهو هذا ، فخذه وإلا فدعني أمضه . قال: يا بني ، أمضه . فأمضاه حتى ما بقي عنده درهم .

[أخبرنا علي بن محمد بن حسنون قال: أخبرنا أبو محمد بن عثمان قال: أخبرنا [ ص: 350 ] أبو القاسم بن المنذر قال: حدثنا الحسن بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن عبيد الله قال: حدثنا أبي ، عن شيخ من قريش قال: قال مولى لعمرو] بن عتبة وأنا مع رجل وهو يقع في آخر ، فقال لي: ويلك -ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها- نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن القول ، فإن المستمع شريك القائل ، وإنما نظر إلى ما سد في وعائه فأفرغه في وعائك ، ولو ردت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها .

[أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن علي قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا عنبسة بن سعيد القرشي ، قال: حدثني ابن المبارك ] ، عن عيسى بن عمر قال: كان عمرو بن عتبة يخرج على فرسه ليلا فيقف على القبور فيقول: يا أهل القبور ، قد طويت الصحف ، ورفعت الأعمال . ثم يبكي ، ثم يصف قدميه حتى يصبح ، فيرجع فيشهد صلاة الصبح .

[أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال: أخبرنا أحمد بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبهاني ، قال: حدثنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، قال: حدثنا أحمد الدروقي ، قال: حدثنا علي بن إسحاق ، قال: أخبرنا ابن المبارك ، قال: حدثنا الحسن بن عمر الفزاري ، قال: حدثني مولى لعمرو] بن عتبة قال: استيقظنا يوما حارا في ساعة حارة ، فطلبنا عمرو بن عتبة ، فوجدناه في جبل وهو ساجد وغمامة تظله ، وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس لكثرة صلاته ، فرأيته ليلة يصلي ، فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف ، فقلنا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحي من الله أن أخاف شيئا سواه .

[أخبرنا أحمد بن أبي القاسم بإسناده عن أحمد قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش ، عن عمارة بن عمير ] ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجنا في جيش فيهم علقمة ويزيد بن معاوية النخعي ، وعمرو بن عتبة ، ومعضد ، قال: فخرج عمرو بن [ ص: 351 ] عتبة عليه جبة جديدة بيضاء ، فقال: ما أحسن الدم ينحدر على هذه . فخرج فتعرض للقوم ، فأصابه حجر فشجه فتحدر عليها الدم ، ثم مات منها فدفناه ، ولما أصابه الحجر فشجه جعل يلمسها بيده ويقول: إنها لصغيرة ، وإن الله ليبارك في الصغير .

[أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، قال: أخبرنا أحمد بن أحمد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبو بكر بن مالك ، حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال: حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا عيسى بن عمر ، عن السدي قال: حدثنا ابن عم] لعمرو بن عتبة قال: نزلنا في مرج حسن ، فقال عمرو بن عتبة : ما أحسن هذا المرج ، ما أحسن الآن لو أن مناديا ينادي: يا خيل الله اركبي . فخرج رجل فكان أول من لقي فأصيب ، ثم جيء به فدفن في هذا المرج . قال: فما كان بأسرع من أن نادى مناد: يا خيل الله اركبي . فخرج عمرو في سرعان الناس في أول من خرج ، فأتى عتبة فأخبر بذلك فقال: علي عمرا .

فأرسل في طلبه ، فما أدرك حتى أصيب . قال: فما أراه دفن إلا في مركز رمحه ، وعتبة يومئذ على الناس .

قال المؤلف: [وهذه] الغزاة التي استشهد فيها عمرو ، [ولم تذكر] هي غزاة أذربيجان ، وكانت في خلافة عثمان [رضي الله عنه]

241 - عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح

كان قد شهد بدرا مع المشركين ، وبعثوه طليعة ليحرز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل ، وكان حريصا على رد قريش عن [لقاء] رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ، فلما التقوا أسر أبوه وهب ، أسره رفاعة بن رافع ، فرجع إلى مكة ، فقال له صفوان بن أمية : دينك [ ص: 352 ] علي ، وعيالك أمونهم ما عشت ، واجعل كذا وكذا إن أنت خرجت إلى محمد حتى تغتاله . فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما جاء به وما جرى له مع صفوان [بن أمية] ، فأسلم وشهد أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقي [إلى] خلافة عثمان رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية