الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وعشرين

فمن الحوادث فيها:

التغيير على جماعة من الولاة ، فإن عمر كان قد أوصى أن يقر عماله سنة ، فلما ولي عثمان أقرهم ، وأقر المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة ، ثم عزله ، واستعمل سعد بن أبي وقاص ، فعمل عليها سعد سنة وبعض أخرى ، وأقر أبا موسى سنوات ، وضم حمص ، وقنسرين إلى معاوية . وتوفي عبد الرحمن بن علقمة الكناني -وكان على فلسطين- فضم عثمان عمله إلى معاوية . ومرض عمير بن سعد فاستعفى ، فضم عمله إلى معاوية ، فاجتمع الشام لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان ، ثم بعث عثمان على خراسان عمير بن عثمان بن سعد ، فصالح من لم يجب الأحنف ، وأمر الناس بعبور النهر ، فصالحه من وراء النهر ، فجرى ذلك واستقر .

فمن الحوادث في هذه السنة: أن أهل الإسكندرية نقضوا عهدهم فغزاهم عمرو بن العاص فقتلهم .

وفيها: كتب عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستأذن عثمان في الغزو إلى إفريقية ، فأذن له .

[أنبأنا الحسن بن محمد بن عبد الوهاب البارع قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة [ ص: 344 ] قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار ، قال: حدثني عمي مصعب] بن عبد الله قال: غزا عبد الله بن الزبير أفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، فحدثني الزبير بن حبيب قال: قال عبد الله بن الزبير : هجم علينا جرجير في عسكرنا في مائة وعشرين ألفا ، فاختلطوا بنا في كل مكان ، وسقط في أيدي المسلمين ، ونحن في عشرين ألفا من المسلمين واختلف الناس على ابن أبي السرح ، فدخل فسطاطا له فخلا فيه ، ورأيت غرة من جرجير ، بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب ، معه جاريتان تظلان عليه بريش الطواويس ، بينه وبين جنده أرض بيضاء ليس فيها أحد ، فخرجت أطلب ابن أبي سرح ، فقيل: قد خلا في فسطاطه ، فأتيت حاجبه ، فأبى أن يأذن لي عليه ، فدرت من كسر الفسطاط فدخلت عليه فوجدته مستلقيا على ظهره ، فلما دخلت فزع واستوى جالسا ، فقال: ما أدخلك علي يا ابن الزبير؟ قلت: إني رأيت عورة من العدو [فاخرج] فاندب لي الناس . قال: وما هي؟ فأخبرته فخرج معي سريعا ، فقال: يا أيها الناس ، انتدبوا مع ابن الزبير ، فاخترت ثلاثين فارسا ، وقلت لسائرهم: اثبتوا على مصافكم . وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير ، وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري ، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه ، فخرجت صامدا له ، وما يحسب هؤلاء أصحابه إلا أني رسول إليه حتى دنوت منه ، فعرف الشر ، فثنى برذونه موليا ، فأدركته فطعنته ، فسقط وسقطت الجاريتان عليه ، وأهويت إليه مبادرا فدققت عليه بالسيف ، وأصبت يد إحدى الجاريتين فقطعتها ، ثم احتززت رأسه فنصبته في رمحه ، وكبرت ، وحمل المسلمون في الوجه الذي كنت فيه ، وارفض العدو في كل وجه ، ومنح الله المسلمين أكتافهم ، فلما أراد ابن أبي سرح أن يوجه بشيرا إلى عثمان قال: أنت أولى من هاهنا بذلك . فانطلق إلى أمير المؤمنين فقدمت على عثمان فأخبرته بفتح الله ونصره ، ووصفت له أمرنا كيف كان ، فلما فرغت من ذلك قال: هل تستطيع أن تؤدي هذا إلى [ ص: 345 ] الناس؟ قلت: وما يمنعني من ذلك؟ قال: فاخرج إلى الناس فأخبرهم ، فخرجت حتى جئت المنبر ، فاستقبلت الناس ، فتلقاني وجه أبي الزبير بن العوام ، فدخلتني [منه] هيبة ، فعرفها أبي في ، فقبض قبضة من حصا ، وجمع وجهه في وجهي ، وهم أن يحصبني ، فاعتزمت فتكلمت ، فزعموا أن الزبير قال: والله لكأني سمعت كلام أبي بكر الصديق "من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها ، فإنما تأتيه بأحدهما" .

وفيها: غزا الوليد بن عتبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه أيام عمر ، هذا في رواية أبي مخنف ، وقال غيره: إنما كان ذلك في سنة ست وعشرين ، ثم إن الوليد صالح أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم ، وهو الصلح الذي صالحوا عليه حذيفة بن اليمان سنة اثنتين وعشرين بعد وقعة نهاوند بسنة ، ثم حبسوها عند وفاة عمر .

فلما ولي عثمان وولى الوليد الكوفة سار حتى وطئهم بالجيش ، ثم بعث سلمان بن ربيعة إلى أرمينية في اثني عشر ألفا ، فقتل وسبى ، وغنم . وقيل: كان هذا في سنة أربع وعشرين .

وفيها: جاشت الروم ، وجمعت جموعا كبيرة ، فكتب عثمان إلى الوليد: إن معاوية كتب إلي يخبرني أن الروم قد أجلبت على جموع عظيمة ، وقد رأيت أن تمدهم من أهل الكوفة بثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف .

فبعث سلمان بن ربيعة في ثمانية آلاف ، فشنوا الغارات على أرض الروم ، وفتحوا حصونا كثيرة ، وملئوا أيديهم من الغنم .

وفيها: حج بالناس عثمان . [ ص: 346 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية