الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1626 - حدثنا السيد أبو القاسم علي بن موسى بن إسحاق بن الحسين الموسوي، وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن الميربندكشائي ، قالا: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان، أنا أبو أحمد محمد بن قريش بن سليمان المرو الروذي، أنا أبو حسن علي بن عبد العزيز المكي، أنا أبو عبيد القاسم بن سلام، نا ابن علية، عن أيوب، عن هارون بن رياب، عن كنانة بن نعيم، عن قبيصة بن المخارق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل بحمالة بين قوم، ورجل أصابته جائحة، فاجتاحت ماله، فيسأل حتى يصيب سدادا من عيش، أو قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن قد أصابته حاجة، وأن قد حلت له المسألة، وما سوى ذلك من المسائل سحت ".

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد، عن حماد بن زيد، عن هارون بن رياب.

                                                                            قوله: "تحمل حمالة"، أي: تكفل كفالة، والحميل: الكفيل والسداد، بكسر السين: كل شيء سددت به خللا، ومنه: سداد [ ص: 125 ] القارورة، وهو صمامها، والسداد بفتح السين: الإصابة في المنطق والتدبير، وكذلك في الرمي ونحوه.

                                                                            والسحت: الحرام.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( أكالون للسحت ) ، أي: للحرام، يعني الرشا في الحكم، سمي سحتا، لأنه يسحت البركة، فيذهب بها، يقال: سحته وأسحته، ومنه قوله سبحانه وتعالى ( فيسحتكم بعذاب ) ، وقيل: سمي سحتا لأنه مهلك، يقال: سحته الله، أي: أهلكه وأبطله.

                                                                            وفقه هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من يحل له المسألة من الناس ثلاثة: غنيا، وفقيرين، فالغني صاحب الحمالة وهو أن يكون بين القوم تشاحن في دم أو مال، فسعى رجل في إصلاح ذات بينهم، وضمن مالا يبذل في تسكين تلك النائرة، فإنه يحل له السؤال، ويعطى من الصدقة قدر ما تبرأ ذمته عن الضمان، وإن كان غنيا.

                                                                            وأما الفقيران، فهو أن يكون الرجلان معروفين بالمال، فهلك مالهما، أحدهما: هلك ماله بسبب ظاهر، كالجائحة أصابته من برد أفسد زرعه وثماره، أو نار أحرقتها، أو سيل أغرق متاعه في نحو ذلك من الأمور، فهذا يحل له الصدقة حتى يصيب ما يسد خلته به، ويعطى من غير بينة تشهد على هلاك ماله، لأن سبب ذهاب ماله أمر ظاهر. [ ص: 126 ] .

                                                                            والآخر: هلك ماله بسبب خفي من لص طرقه، أو خيانة ممن أودعه، أو نحو ذلك من الأمور التي لا تظهر في الغالب، فهذا تحل له المسألة، ويعطى من الصدقة بعد أن يذكر جماعة من أهل الاختصاص به، والمعرفة بشأنه أن قد هلك ماله لتزول الريبة عن أمره في دعوى هلاك المال.

                                                                            وليس هذا من باب الشهادة، ولكن من باب التبين والتعرف، لأنه لا مدخل لثلاثة من الرجال في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه أو جيرانه من ذوي الخبرة بشأنه: إنه صادق فيما يدعيه، أعطي من الصدقة، ويخرج من هذا أن من ثبت له على رجل حق عند الحاكم وطلب المحكوم له حبس من عليه، فادعى المطلوب الإفلاس والعدم، فينظر في أمره، فإن لزمه ذلك الدين بمقابلة مال دخل في ملكه من ابتياع أو استقراض، فلا يقبل قوله في العدم، ويحبس إلا أن يقيم بينة على هلاك ماله، وإن لزمه الدين لا بمقابلة مال، دخل في ملكه مثل بدل الإتلاف، وأرش الجناية، ومهر المنكوحة، والضمان، ونحوها يقبل قوله مع يمينه، وإذا حلف خلي سبيله، لأن الأصل في الناس العدم.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية