الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب الرخصة في الإفطار للحامل والمرضع.

                                                                            1769 - أخبرنا أبو عثمان الضبي، أنا أبو محمد الجراحي، نا أبو العباس المحبوبي، نا أبو عيسى الترمذي، نا أبو كريب، ويوسف بن عيسى، قالا: نا وكيع، نا أبو هلال، عن عبد الله بن سوادة، عن أنس بن مالك، رجل من بني عبد الله بن كعب، قال: أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته يتغدى، فقال: "ادن، فكل"، فقلت: إني صائم، فقال: "ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام، إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل، والمرضع الصوم أو الصيام"، والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم كليهما أو أحدهما، فيا لهف نفسي ألا أكون طعمت من طعام النبي صلى الله عليه وسلم. [ ص: 316 ] .

                                                                            قال أبو عيسى: حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد.

                                                                            والعمل على هذا عند أهل العلم أن الحامل والمرضع، إذا خافتا على ولديهما، تفطران وتقضيان.

                                                                            واختلفوا في أنه هل يجب عليهما الإطعام أم لا؟ فذهب قوم إلى أنهما تطعمان مع القضاء، يروى ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وهو قول مجاهد، والشافعي، وأحمد، سئل ابن عمر عن الحامل إذا خافت على ولدها، قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة.

                                                                            وذهب قوم إلى أنهما تقضيان، ولا إطعام عليهما كالمريض، وبه قال الحسن، وعطاء، والنخعي، والزهري، وهو قول الأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي.

                                                                            وقال مالك: الحامل تقضي ولا تطعم، لأن ضرر الصوم يعود إلى نفسها كالمريض، والمرضع تقضي وتطعم.

                                                                            وقال بعضهم: إن شاءتا أطعمتا، ولا قضاء عليهما، وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما، وهو قول إسحاق بن راهويه.

                                                                            فأما الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، يطعم عنه ولا قضاء عليه، لعجزه، قرأ عبد الله بن عباس: وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين، أي: يكلفون الصوم ويشق عليهم ذلك، فلهم أن يفطروا، ويطعموا. [ ص: 317 ] .

                                                                            وقال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا.

                                                                            وقراءة العامة ( وعلى الذين يطيقونه ) ، وذهبوا إلى أن الآية منسوخة، فكان المطيق للصوم في الابتداء مخيرا بين أن يصوم، وبين أن يفطر ويفدي، فنسخها قوله سبحانه وتعالى: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ، يروى ذلك عن ابن عمر، وسلمة بن الأكوع. [ ص: 318 ] .

                                                                            وذهب بعض من قرأ ( وعلى الذين يطيقونه ) ، إلى أنها غير منسوخة، ولم يكن للقادرين على الصوم رخصة في الفطر، وتأويل الآية: وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال صحتهم وقوتهم، ثم عجزوا عن الصوم، فعليهم فدية.

                                                                            وروي عن أنس أنه ضعف عن صوم شهر رمضان وكبر، فأمر بإطعام مساكين، فأطعموا خبزا ولحما حتى شبعوا، والإطعام واجب على الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، وقال مالك: مستحب غير واجب، وقال ربيعة: لا فدية عليه ولا قضاء.

                                                                            واختلفوا في قدر الطعام عن كل يوم، فذهب قوم إلى أنه يطعم عن كل يوم مسكينا مدا، وهو قول ابن عمر، وأبي هريرة، وبه قال عطاء، وإليه ذهب مالك، والليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد.

                                                                            وقال قوم: يطعم كل مسكين نصف صاع، وهو قول ابن عباس، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي.

                                                                            وقال بعض الفقهاء: ما كان المفطر يتقوته يومه، وروي عن ابن عباس يعطي كل مسكين عشاءه حتى يفطر، وسحوره حتى يتسحر. [ ص: 319 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية