الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1715 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا آدم، نا شعبة، نا الأسود بن قيس، نا سعيد بن عمرو، أنه سمع ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا"، يعني: مرة تسعا وعشرين، ومرة ثلاثين. [ ص: 229 ] .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن محمد بن مثنى، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، وقال: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، وعقد الإبهام في الثالثة، "الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، يعني: تمام الثلاثين.

                                                                            وروى سليمان بن حرب، عن شعبة، بإسناده، وقال: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، وخنس سليمان إصبعه في الثالثة، يعني: تسعا وعشرين.

                                                                            قوله: خنس إصبعه، أي: قبض.

                                                                            وروي عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، وقبض إبهامه في الثالثة، ويروى: الإبهام من اليد اليمنى.

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي: قوله: "أمية"، إنما قيل لمن لا يكتب ولا يقرأ: أمي؛ لأنه منسوب إلى أمة العرب، وكانوا لا يكتبون ولا يقرؤون، [ ص: 230 ] ويقال: إنما قيل له أمي على معنى أنه باق على الحال الذي ولدته أمه، لم يتعلم قراءة ولا كتابة.

                                                                            وقوله: "يعني تسعا وعشرين"، لم يرد به أن كل شهر تسعة وعشرون، بل أراد به أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين، وإن كان الغالب منه في العرف ثلاثين، حتى لو نذر رجل أن يصوم شهرا بعينه، فصامه، فخرج تسعا وعشرين لا يلزمه أكثر من ذلك، وكان بارا في نذره، ولو نذر صوم شهر لا بعينه، فعليه أن يصوم ثلاثين يوما.

                                                                            وقوله: "فإن غم عليكم"، أي: خفي عليكم، من قولك: غممت الشيء: إذا غطيته، فهو مغموم.

                                                                            وقوله: "فاقدروا له"، معناه: التقدير له بإكمال العدد ثلاثين، يقال: قدرت الشيء أقدره، وأقدره قدرا بمعنى: قدرته: تقديرا، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( فقدرنا فنعم القادرون ) .

                                                                            وذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد منه التقدير بحساب سير القمر في المنازل، أي: قدروا له منازل القمر، فإنه يدلكم على أن الشهر تسع وعشرون أو ثلاثون.

                                                                            قال ابن سريج: هذا خطاب لمن خصه الله بهذا العلم.

                                                                            وقوله: "فأكملوا العدة"، خطاب للعامة التي لم تعن به، والأول أولى كما ذكرنا في الرواية الأخرى: "فإن غم عليكم فأكملوا [ ص: 231 ] العدة ثلاثين".

                                                                            ورواه أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما". [ ص: 232 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية