الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1711 - أخبرنا أحمد عبد الله الصالحي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا أحمد بن محمد بن معقل الميداني، نا محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، الصيام لي وأنا أجزي به، وخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب.

                                                                            قوله: "كل عمل ابن آدم له"، قيل: معناه أن لنفسه فيه حظا [ ص: 224 ] لاطلاع الناس عليه، فهو يتعجل إليه إلا الصوم، فإنه لي لا يطلع عليه أحد.

                                                                            وسئل سفيان بن عيينة عن قوله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي"، فقال: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة.

                                                                            ويحكى عن سفيان أيضا في قوله: "الصوم لي"، قال: لأن الصوم هو الصبر، يصبر الإنسان عن المطعم والمشرب والنكاح، وثواب الصبر ليس له حساب، ثم قرأ: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .

                                                                            قال أبو عبيد على قوله: "الصوم لي وأنا أجزي به"، قد علمنا أن أعمال البر كلها له وهو يجزي بها، فنرى، والله أعلم، أنه إنما خص الصوم بأن يكون هو الذي يتولى جزاءه، لأن الصوم ليس يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل، فيكتبه الحفظة، إنما هو نية في القلب، وإمساك عن المطعم والمشرب، فيقول: أنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف، لا على كتاب له.

                                                                            وقيل: معناه أن الصوم عبادة خالصة لي لا يستولي عليه الرياء والسمعة، ليس كسائر الأعمال التي يطلع عليها الخلق، فلا يؤمن معها الشرك كما جاء، "نية المؤمن خير من عمله"، لأن النية محلها القلب، [ ص: 225 ] فلا يطلع عليها غير الله، تقديره: أن نية المؤمن مفردة عن العمل خير من عمل خال عن النية، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) ، أي: ليس فيها ليلة القدر.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية