الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
283 - وروى أيضا بإسناده عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور ، وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة ، وأبكرهم غدوا " .

اعلم أن هذه أخبار صحاح يجب الأخذ بها ، نص عليه أحمد في رواية أبي الحارث ، فقال : أحاديث الرؤية صحاح جياد . وكذلك قال في رواية المروذي لما سئل عن أحاديث الرؤية : صحاح جياد .

وكذلك قال في رواية ابن منصور ، وقد قيل له : تقول بهذه الأحاديث التي تروى [ ص: 285 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية وتذهب إليها ، وجمعها في كتاب وحدثنا بها .

وقال في رواية المروذي وحنبل وأبي داود : من قال إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر فقد .

نص على صحتها والأخذ بها وتكفير من ردها ، وقد رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري .

فأما قوله : " كما ترون القمر " فلم يقصد به إلا تحقيق رؤية العيان ، لا تشبيه المرئي بالقمر في أنه محدود في جهة ، وإنما معناه رؤيتكم لله يوم القيامة كرؤيتكم القمر ليلة البدر ، أي كما لا تشكون ليلة البدر في رؤية القمر أنه البدر ، ولا يتخالجكم فيه ريب وظن ، كذلك ترون الله عز وجل يوم القيامة معاينة يحصل معها اليقين .

وأما قوله : " لا تضامون في رؤيته " بالتشديد فقيل معناه : لا ينضم بعضكم إلى بعض كما تنضمون في رؤية الهلال رأس الشهر ، بل ترونه جهرة من غير تكلف لطلب رؤيته كما ترون البدر - وهو القمر ليلة الرابع عشر إذا عاينه المعاين جهرة لم يحتج إلى تكلف في طلب رؤيته .

وأما قوله تعالى : " لا تضامون " مخفف فالمراد به الضيم أي : لا يلحقكم فيه ضيم ، والضيم والضرر واحد في المعنى وأما قوله : " لا تضارون " أي : لا يلحقكم ضرر في رؤيته بتكلف طلبها كما يلحق المشقة والتعب في طلب ما يخفى ويدق ويغمض [ ص: 286 ] وكل ذلك تحقيق لرؤية المعاينة ، وأنها صفة تزيد على العلم فإن قيل : معناه رؤية العلم ، وأن المؤمنين يعرفون الله يوم القيامة ضرورة قيل : هذا غلط من قبل أن الرؤية إذا كانت بمعنى : العلم ، تعدت إلى مفعولين ، وذلك كما يقول القائل : رأيت زيدا فقيها ، أي علمته كذلك ، فأما إذا قال : رأيت زيدا مطلقا ، فلا يفهم منه إلا رؤية البصر ، وقد حقق ذلك بما أكده من تشبيهه برؤية القمر ليلة البدر ، وذلك رؤية البصر لا رؤية علم .

وجواب آخر : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المؤمنين من أصحابه بذلك ، وهذا يوجب أن يكون معنى يختصون به ، فأما العلم بالله فمشترك بين المؤمنين والكافرين في القيامة ، فيبطل معنى بشارته للمؤمنين بالرؤية .

وجواب آخر : وهو أن في رواية أبي موسى : " ترون الله جهرة " وهذا يرفع الإشكال ، لأن الرؤية وإن كانت تستعمل في معنى العلم ، فإنها إذا قرنت بلفظ الجهر لم تحتمل العلم ، ومن ذلك قولهم : ( أرنا الله جهرة ) يعني عيانا ، وكذلك في حديث ابن عمر : " وإن أفضلهم من ينظر في وجه ربه في كل يوم مرتين " وهذا يمنع أن يكون المراد به العلم [ ص: 287 ] فأما ما روي في حديث ابن عباس : " إن أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور ، فأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة ، وأبكرهم غدوا " فإن أبا عبد الله بن بطة رواه ، عن أبي عمر عبيد الله بن مسح العطار ، وأبي يوسف يعقوب بن يوسف ، ومحمد بن الحسين قالوا : نا أبو بكر عبد الله بن سليمان أبي داود السجستاني ، قال : نا عمي محمد بن الأشعث قال : نا ابن حسن ، قال : حدثني أبي حسن ، عن الحسن ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية