الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
436 - وناه أبو القسم بإسناده ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جميل يحب الجمال ، وجواد يحب الجود ، وكريم يحب الكرماء ، طيب يحب الطيب ، ونظيف يحب النظافة ، فنظفوا بيوتكم ، ونظفوا بيوتكم ، ونظفوا ساحاتكم ولا تشبهوا باليهود تجمع الأكناس في دورها " [ ص: 465 ] .

اعلم أنه غير ممتنع وصفه تعالى بالجمال وأن - ذلك صفة راجعة إلى الذات ، لأن الجمال في معنى الحسن ، وقد تقدم في أول الكتاب قوله : " رأيت ربي في أحسن صورة " ، وبينا أن ذلك صفة راجعة إلى الذات كذلك ها هنا ، ولأنه ليس في حمله ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه ، لأن طريقه الكمال والمدح ، ولأنه لو لم يوصف بالجمال جاز أن يوصف بضده وهو القبح ، ولما لم يجز أن يوصف بضده جاز أن يوصف به ، ألا ترى أنا وصفناه بالعلم والقدرة والكلام لأن في نفيها إثبات أضدادها وذلك مستحيل عليه ، كذلك ها هنا فإن قيل : قوله : " جميل " بمعنى : مجمل من شاء من خلقه ، لأن فعيل قد يجيء على معنى : مفعل ، ومنه قولنا : حكيم والمراد محكم لما فعله قيل : هذا غلط ، لأن الخبر ورد على سبب ، وهو الحث لهم على التجمل في صفاتهم لا على معنى التجميل في غيرهم فكان مقتضى الخبر : إن الله جميل في ذاته يجب أن تتجملوا في صفاتكم ، فإذا حمل الخبر على فعل التجميل في الغير ، عدل بالخبر عما قصد به [ ص: 466 ] فإن قيل : معنى الجمال ها هنا الإحسان والإفضال ، فيكون معناه : هو المظهر النعمة والفضل على من شاء من خلقه برحمته قيل : هذا غلط ، لأنه قد ذكر الجمال والإحسان والإفضال فقال : " جميل يحب الجمال ، وجواد يحب الجود ، وكريم يحب الكرماء " فإذا حملنا الجمال على ذلك حمل اللفظ على التكرار وعلى ما لا يفيد وجواب آخر : وهو أن نعم الله ظاهرة ، فحمل الخبر على هذا يسقط فائدة التخصيص بالجمال [ ص: 467 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية