الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
361 - وفي حديث آخر : رواه بإسناده عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لهذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش ، وفتحت له أبواب السماوات ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة لم يهبطوا إلى الأرض قبل ذلك ، ولقد ضم في قبره ثم أفرج له " يعني سعدا رحمه الله .

اعلم أن هذا الخبر ليس مما يرجع إلى شيء من الصفات لأن "العرش" محدث مخلوق ، وغير ممتنع أن يهتز العرش على الحقيقة ، ويتحرك لموت سعد ، لأن العرش تجوز عليه الحركة ، ويكون لذكره فائدة وهو : فضيلة سعد ، أن العرش مع عظم قدره اهتز له [ ص: 384 ] وقد تأول قوم على أن العرش ها هنا السرير الذي كان عليه سعد! وهذا غلط لوجهين أحدهما : أن في الخبر " اهتز عرش الرحمن جل اسمه " وإضافة العرش إلى الله سبحانه إنما ينصرف إلى العرش الذي هو في السماء والثاني : أنه قصد بهذا الخبر فضيلة سعد ، ولا فضيلة في تحرك سريره واهتزازه ، لأن سرير غيره قد يتحرك ويهتز من تحته .

وتأوله آخرون : على أن الاهتزاز ها هنا راجع إلى حملة العرش ، الذين يحملونه ويطوفون حوله ، وأقام العرش مقام من يحمله ويطوف به من الملائكة ، كما قال تعالى : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) وإنما يريد أهل السماء وأهل الأرض ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أحد : " هذا جبل يحبنا ونحبه " يريد : يحبنا أهله يعني الأنصار! [ ص: 385 ] ويكون معنى اهتزاز حملته الاستبشار والسرور به ، يقال : فلان يستبشر للمعروف ويهتز له ، ومنه قيل في المثل : إن فلانا إذا دعي اهتز ، وإذا سئل ارتز ، والكلام لأبي الأسود الدئلي ، والمعنى فيه : إذا دعي إلى طعام يأكله ارتاح له واستبشر ، وإذا دعي لحاجة ارتز ، أي تقبض ولم ينطلق ، قال الشاعر :

وتأخذه عند المكارم هزة كما اهتز عند البارح الغصن الرطب

.

وهذا غلط لما بينا أنه غير ممتنع من إضافة الاهتزاز إلى العرش لكونه محدثا ، وقد قال تعالى : ( يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا ) وهذه إضافة صحيحة إلى السماء والأرض ، وكذلك إضافة ذلك إلى العرش ، وحمل ذلك على حملة العرش عدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير حاجة إلى ذلك ، ولئن جاز هذا ، جاز العدول في قوله : ( تمور السماء مورا ) معناه أهل السماء ( وتسير الجبال سيرا ) معناه أهل الجبال ، ولأن ما يمنع من حمل الخبر على العرش يمنع من حمله على حملته ، وما يجوز في أحدهما نجوزه في الآخر ، ولأنه لا يجب أن يمتنع المخالف من هذا ، لأنه لا يثبت كونه على العرش ، وإذا لم يثبت ذلك لم يمتنع إضافة ذلك إلى العرش وأما قوله : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ) فمعناه : فما [ ص: 386 ] بكت عليهم السماء بأهلها ، وكذلك قوله : " هذا جبل يحبنا " معناه يحبنا بأهله [ ص: 387 ] حديث آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية