الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
387 - وفي حديث آخر : رواه أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أسرف رجل على نفسه حتى إذا حضرته الوفاة قال لأهله : إذا أنا مت فاحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في الرياح ، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا ، قال : ففعل ذلك به ، فقال الله جل اسمه لكل شيء أخذ منه شيئا : رد ما أخذت منه ، فإذا هو قائم بين يدي الله تعالى ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : خشيتك ، فغفر الله له " وفي لفظ آخر : " أن رجلا ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد " وذكر الخبر [ ص: 417 ] وفي لفظ آخر : قال : " إذا أنا مت فحرقوني ، ثم اطحنوني ، ثم ذروني في البحر " وذكر الخبر .

اعلم أن هذا الخبر وإن لم يرجع شيء من لفظه إلى ما هو صفة من صفات الله فإن لفظه مشكل ، وكان القائل له رجلا موحدا مغفورا له ، فوجب أن يوقف على معناه ليزول الإشكال أما قوله : " أضل الله" أي أنساه ، كما قال تعالى : ( لا يضل ربي ولا ينسى ) وقول : ( أن تضل إحداهما ) أي : تنساه ، وقيل في بعض الوجوه في تأويل قوله سبحانه : ( ووجدك ضالا فهدى ) أي ناسيا فذكرك ، والعرب تقول : ضللت كذا وأضللته ، أي نسيته وإذا كان ذلك معنى الضلال ها هنا; فمراده أن الله سبحانه يميتني ولا يبعثني فأستريح من عذابه ، والعرب تقول : ضل الماء في البئر ، إذا غاب فيه ولم يبن ، ويكون تحقيق معنى قوله : " أضل الله " أي : لعل الله لا ينشرني ولا يبعثني فأستريح من عذابه ، وهذا إظهار الجزع والخوف والخشية بأبلغ ما يكون في بابه ، لا أنه كان يعتقد قائله أنه يجوز أن ينسى الله أحدا ، أو يمكن أن يفوته شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية