الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
423 - ورواه أبو بكر النجاد في سننه ، وأبو عبد الله بن بطة بإسناده ، عن أسامة بن شريك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ووضع يده على فيه : " يد الله على الجماعة ، فإذا شذ الشاذ تخطفه الشيطان كما يتخطف الذئب الشاذ من الغنم " [ ص: 453 ] .

اعلم أن الكلام في هذا في فصلين : أحدهما : في " اليد " والثاني في قوله : " على الجماعة " أما الأول : فإنه غير ممتنع حمل اليد ها هنا على أنها يد صفة للذات كقوله : ( خلقت بيدي ) وكذلك قوله : " قلب العبد بين أصبعين من أصابع الرحمن " على أنها صفة للذات كذلك ها هنا فإن قيل : إنما لم تحمل اليد في خلق آدم على الذات ، لأن في ذلك إبطال فضيلة آدم وتشريفه على إبليس ، لأن إبليس أيضا مخلوق بالذات قيل : قد أجبنا عن هذا السؤال في حديث الساعد بما فيه كفاية ، وعلى أن الخبر قصد به تشريف الجماعة ومدحها ، والحث على متابعتها وذم مفارقتها ، فإذا حمل الخبر على الذات أبطلنا فضيلة الجماعة ، لأن غير الجماعة هو معها فإن قيل : تحمل اليد ها هنا على الذات كقوله : ( مما عملت أيدينا أنعاما ) معناه : مما عملنا ، وكقوله : ( مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ) [ ص: 454 ] معناه : مما ملكتم أنتم ، كقوله تعالى : ( أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) معناه : المالك لعقدة النكاح ، لأنا رأينا من يملكه مقطوع اليد قيل : هذا غلط ، لأنه إن جاز تأويل اليد ها هنا على الذات; جاز تأويل قوله : ( خلقت بيدي ) على الذات ، ولأن هذا يؤدي إلى جواز القول بأن الله يد! لأنه قد عبر عن الذات باليد! وأنه يجوز أن يدعى فيقال : يا يد اغفر لنا ، وقد أجمعت الأمة على خلافه .

وجواب آخر وهو أن يسقط فائدة التخصيص بالجماعة ، لأن ذاته مع الواحد أيضا ، فعلم أن تخصيص الجماعة له فائدة وأما قوله : ( مما عملت أيدينا أنعاما ) فإنما انتقلنا عن ظاهره لدليل وهو حصول الإجماع على أنه لم تخلق الأنعام بيده ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنها جزء من جزء " ، وكذلك قوله : ( مما ملكت أيمانكم ) قد دل الدليل على أن المراد به ملكنا من العبيد ، وكذلك قوله : ( بيده عقدة النكاح ) قام الدليل على أن المراد به الملك ، وليس ها هنا ما دل على ذلك فحملناه على ظاهره .

الفصل الثاني : في قوله " على الجماعة " معناه هو معهم بالنصرة لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية