الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث آخر .

323 - ناه أبو القاسم بإسناده ، عن أبي الأحوص الجشمي ، أنه قال : " رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي أطمار فقال : " هل لك من مال ؟ " قال : قلت : نعم ، قال : " من أي المال ؟ " قال : قلت : قد آتاني الله من الشاء والإبل ، قال : " فلتر نعمة الله وكرامته عليك " قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هل تنتج إبلك وافية آذانها ؟ " قال : وهل تنتج إلا كذلك! ولم يكن أسلم يومئذ ، قال : " فلعلك تأخذ موساك فتقطع أذن بعضها ، وتقول : هذه بحر ، وتشق أذن الأخرى فتقول : هذه صرم " قال : نعم ، قال : " فلا تفعل فإن كل ما آتاك الله حل ، وإن موسى الله أحد ، وساعد الله أشد " [ ص: 344 ] وفي لفظ آخر : " موسى الله أحد من موساك ، وساعد الله أشد من ساعدك " اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات " الساعد " صفة لذاته ، كما حملنا قوله تعالى : ( خلقت بيدي ) على ظاهره ، وأنها صفة ذات إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته ، لأنا لا نحمله على ساعد هو جارحة ، بل صفة ذات لا نعقلها ، كما أثبتنا ذاتا لا كالذوات .

فإن قيل : المراد بالساعد ها هنا : القوة ، فعبر عنها بالساعد لأنه محل للقوة ، وقد يعبر عن الشيء بمحله كما سمت العرب البصر : عينا ، والسمع : أذنا ، كذلك تسمي القدرة ساعدا ، ومنه يقال : جمعت هذا المال بقوة ساعدي ، ويراد به بالتدبير والقوة دون المباشرة بالساعد [ ص: 345 ] قيل : هذا غلط ، لأنه يوجب حمل قوله : ( لما خلقت بيدي ) معناه بالقدرة .

فإن قيل : إنما لم نحمل اليد على القدرة لأن في ذلك إبطال فضيلة آدم على إبليس ، لأن الله تعالى قال : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) على طريق التفضيل ، وليس في حمل هذا الخبر على القدرة إبطال فائدة .

قيل : ما كان يمتنع أن تحملون اليد على القدرة ، وإن أفضى إلى إبطال فضيلة آدم كما حملتم قوله : ( واصطنعتك لنفسي ) معناه : لذاتي ، وتأولتم النفس ها هنا على الذات ، وإن أفضى ذلك إلى إبطال فائدة تخصيص موسى بذلك ، لأن جميع الأنبياء اصطنعهم لذاته ، ولما لم يجز تأويل اليد على القدرة كذلك ها هنا وجواب آخر : هو أنه لو استحال إضافة اليد إليه ، لم يجز إضافتها إليه ، وإن أفضى إلى إبطال فضيلة آدم ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) لما لم يجز حمل ذلك على الذات ، حمل على الأمر وإن أفضى إلى إسقاط تخصيص عيسى ، لأن غير عيسى مخلوق بالأمر ، فعلم أن إضافة اليد إليه لا للمعنى الذي ذكروه وإنما ذلك لورود الشرع به ، وهذا المعنى موجود في غيره .

وأما قوله : " وموساه أحد من موساك " فقد قيل فيه : إن هذا خرج على طريق التمثيل ، لأن الموسى لما كان آلة للقطع ، وكان المراد بالخبر أن قطعه أسرع من قطعك ، عبر عن القطع بالموسى اعتبارا بعادة العرب ، وأنها تسمي الشيء باسم ما يجاوره ويقاربه ولا بأس بذلك لأن الله تعالى يجوز في صفته ضرب المثل ، قال تعالى : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ) [ ص: 346 ] وقال : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ) .

وإنما لم يجب حمل الموسى على أنه صفة للذات كالساعد لأن الموسى آلة ، والآلات لا تكون صفات للذات ، وليس كذلك الساعد ، لأنه قد يكون من صفات الذات بدليل كونه صفة للذات في الشاهد ، فإذا ورد الشرع بإضافته ، لم يمتنع حمله على ظاهره ، كما لم يمتنع حمل اليد والوجه على ظاهره [ ص: 347 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية