الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
357 - وذكر الحميدي في مسنده بإسناده ، عن كعب أنه قال : وج مقدس ، منه عرج الرب إلى السماء يوم قضى خلق الأرض قال الحميدي : موضع بالطائف يقال له : وج .

اعلم أنه غير ممتنع على أصولنا حمل هذا الخبر على ظاهره ، وأن ذلك معنى يتعلق بالذات دون الفعل ، لأنا حملنا الخبر على ظاهره في قوله : " ينزل الله إلى سماء الدنيا " [ ص: 380 ] وقوله : " يضع قدمه في النار " وقوله : " يتجلى لهم في رمال الكافور " وقوله تعالى : ( وجاء ربك ) وقوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) كذلك ها هنا ، إذ لسنا نحمل الوطئة على مماسته جارحة لبعض الأجسام ، بل نطلق هذه الصفة كما أطلقنا استواءه على العرش لا على وجه المماسة والانتقال من حال إلى حال ، وكما أطلقنا قوله تعالى : ( خلقت بيدي ) لا على وجه المماسة ، كذلك ها هنا .

فإن قيل : معنى ذلك يرجع إلى الفعل ، وهو أن آخر ما أوقع الله سبحانه بالمشركين من الشدة بوج وهو اسم موضع بالطائف ، لأنه كان آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحنين أدنى الطائف ، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشدد وطأتك على مضر ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف " فتتابع القحط عليهم سبع سنين حتى أكلوا القد والعظام ، والعرب تقول في كلامها : اشتدت وطأة السلطان على رعيته ، وليس يريدون بذلك وطء القدم ، كذلك ها هنا [ ص: 381 ] .

قيل : هذا غلط ، لأنه لم يكن ذلك آخر ما أوقع الله بالمشركين ، لأن الفتوح حصلت بعد النبي صلى الله عليه وسلم والنكاية في المشركين ظاهر على يدي خليفة بعد خليفة ، ثم النكاية في الفرس والروم ، وغير ذلك من أهل الكفر .

وجواب آخر : وهو أن في الخبر ما يسقط هذا ، وهو قوله : آخر وطأة " وذلك لا يستعمل في الشدة ، وإنما يستعمل في الشدة ما كان بالهمزة والألف ، نحو قوله : " اشدد وطأتك على مضر " فإن هناك قرينة دلت على أن المراد به العذاب ، وهو أنه دعا على الكفار ، ولأنه ذكر الوطأة هناك بالهمزة والألف .

التالي السابق


الخدمات العلمية