الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
460 - فإن قيل : فقد روى أنه لما نزل قوله : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قالوا : يا رسول الله وما المقام المحمود ؟ قال : " هو الشفاعة " [ ص: 487 ] قيل : الرواية المشهور في تفسير هذا أنه الجلوس على العرش ، رواه ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وعائشة ، وقد تقدم أسانيد هذه الأحاديث ، والمشهور في الرواية أولى مما شذ منها ، وعلى أنه لا يمتنع أن يكون المقام المحمود : الشفاعة والقعود على العرش ، لأن القصد من ذلك علو المنزلة [ ص: 488 ] .

فإن قيل : فتفسير النبي صلى الله عليه وسلم أولى من قول مجاهد .

قيل : لم نعول في هذا على قول مجاهد وحده ، وقد روينا ذلك مفسرا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر وعائشة وابن مسعود وابن عباس وقول مجاهد في ذلك رجحان فإن قيل : قد قال الله : ( لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) فأخبر أن العرش لا يصل إليه أحد بالبدن ، وإنما يصل إليه بالأعمال .

قيل : ذكر ابن سلام عن قتادة معناه : إذا يعرفوا له فضله عليهم ولابتغوا إليه ما يقربهم إليه وقال غيره معناه : لطلبوا إليه الوسيلة والقربة ، وهذا يدل على أن المقصود بالآية غير ما أرادوه من أنه لا يصل إليه أحد ، وإنما المراد به معنى آخر وهو التقرب إليه بالطاعات فإن قيل : فقوله : " يقعده على العرش " من أين لكم أنه عرش الرحمن ؟ وقد ذكر الله تعالى عرش بلقيس [ ص: 489 ] قيل : هذا لا يصح ، لأن في خبر ابن عمر : " يجلسه معه على السرير " وفي حديث ابن مسعود : " يقعده على كرسيه " فقيل له : إذا كان على كرسيه أليس هو معه ؟ فقال : " ويلكم هذا أقر حديث لعيني " وعلى أنه ذكر العرش بالألف واللام ، وهناك عرش معهود ، وهو عرش الرحمن بقوله تعالى : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) وقوله : ( الرحمن على العرش استوى ) والألف واللام ينصرفان إلى المعهود فلم يصح هذا التأويل .

فإن قيل : قوله : " يقعده " معناه يرفعه أرفع المقاعد عنده ، وهو معه بالنصرة والمعونة والمقاعد المقربة من الله تعالى كما قال : ( لا تحزن إن الله معنا ) وكما قال : ( إن الله يحب المتقين ) على معنى : النصرة والمعونة قيل : هذا غلط لوجوه : أحدها : أن الخبر أفاد رفعه على صفة وهو القعود على العرش والكرسي والثاني : أنه قال : " يقعده معه " ولفظة " مع " في اللغة للمقاربة الثالث : أنه لم يزل ناصرا له ومعينا ورافعا ، فوجب حمل هذه الفضيلة على فائدة مجددة تختص بذلك اليوم الرابع : أن هذا يسقط فائدة التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد نصر موسى ورفعه وغيره من الأنبياء ، فأما قوله : ( لا تحزن إن الله معنا ) وقوله : ( إن الله يحب المتقين ) فإن المراد بذلك النصرة ، لأن هناك دلالة حال ، وهو طلب المشركين وخوفهم منهم فبين أنني ناصر لكم عليهم وهذا معدوم ها هنا .

فإن قيل : أليس قد حكى أبو محمد بن بشار ، عن عبد الله بن أحمد ، عن أبيه أنه كان يعرض عليه الحديث فيقول فيه : هذا رواه كذا وكذا رجل يسميهم ، فإذا عرض عليه حديث ضعيف قال له : اضرب عليه ، فعرض عليه حديث مجاهد [ ص: 490 ] فضعفه فقال : يا أبة أضرب عليه ؟ فقال : لا ، هذا حديث فيه فضيلة فأجره على ما جرى ولا تضرب عليه ، وظاهر هذا أنه ضعفه قيل : هذه حكاية لا يرد بها ما نص عليه في مواضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية