الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث آخر ذكره ابن فورك ولم يقع لي .

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دخلت على ربي في جنة عدن شابا جعدا في ثوبين أخضرين " [ ص: 474 ] .

اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في جواز دخوله عليه الجنة ، على وجه لا يوجب الجهة والحد ، كما جاز وصفه بالاستواء على العرش لا على معنى الجهة ، وجواز رؤيته في الآخرة لا في جهة ، ولأنه قد قال : ( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ) فإذا جاز إطلاق الوقوف عليه; كان إطلاق الدخول عليه أولى .

وأما الصفة التي ذكرها فقد تقدم في أول الكتاب ذكرها في حديث ابن عباس وأم الطفيل ، وبينا أنه غير ممتنع إطلاق ذلك عليه ، لا على وجه التشبيه والأبعاض والأجزاء بل نطلق ذلك صفة ، كما أطلقنا صفة الوجه واليدين والعين ونحو ذلك ، لا على وجه الأبعاض والأجزاء فإن قيل : قوله : " دخلت على ربي " معناه : دخلت دار ربي وجنة ربي بتقريبه لي وإكرامه إياي ، كما يقال في الموسم : أتيناك ربنا شعثا غبرا من كل فج عميق لتغفر لنا ، ويقال : أقبل الله على فلان بالكرامة ، وأقبل فلان على الله بطاعته ، وكما يقال : [ ص: 475 ] دخل فلان على رأي فلان ، ويقال : دخل علي فلان في منزلي ، لا أنه دخل على بدنه ، وإنما المعنى دخل داره .

قيل : هذا غلط ، لأنه قصد بذلك الافتخار وقرب المنزلة ، فإذا حملناه على دخول الجنة بطل ذلك المعنى ، لأنه يشركه فيه غيره من الأنبياء والأولياء ، وقول الناس أتيناك فقد فهم المقصود منه ، وهو أنهم أتوه راغبين في ثوابه فإن قيل : قوله " شابا " يحتمل أن يكون رأى فيها شابا وليا من أوليائه على هذه الصفة ، دون أن يكون المذكور هو الله تعالى ، ويحتمل أن تكون الصفة راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه قال : وأنا شاب جعد .

قيل : هذا غلط ، أما حمله على أنه رأى فيها شابا فلا يصح ، لأن هذا صفة وحال ، والصفة والحال يرجع إلى ما تقدم ذكره وهو الله تعالى ، فأما بعض أوليائه فلم يتقدم ذكره ، فلا يجوز حمله عليه وقولهم : إن الصفة راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح أيضا ، لأنه لم تكن هذه صفته في تلك الليلة ، ولو تغيرت صفته فيها لنقل كما نقل وضع اليد بين كتفيه ، وقوله : " فيم يختصم الملأ الأعلى " وقد تكلمنا على هذا السؤال في أول الكتاب في قوله : " رأيت ربي " .

فإن قيل : هذا الخبر كان رؤيا منام ، والشيء يرى في المنام على خلاف ما يكون قيل : هذا غلط ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد بذلك بيان كرامته من ربه وقرب منزلته ، فإذا حمل على خلاف ما أخبر زال المقصود ، ولأن ما يخبر به شرع ، وصفات الله تعالى اعتقادها شرع ، فهو معصوم فيه ، وإذا كان معصوما استوى فيه المنام وغيره ، ولأنا قد بينا أن رؤيا الأنبياء وحي لأن أعينهم تنام وقلوبهم لا تنام [ ص: 476 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية