الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث آخر .

322 - أخرجه أبو القسم عبد العزيز قال : علي بن إبراهيم الموصلي ، نا أبو مزاحم موسى بن عبيد المقري ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : أبو المغيرة الخولاني ، قال : نا الأوزاعي نا قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، قال : " إن الله عز وجل إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض ، فعند ذلك تزلزل ، وإذا أراد أن يدمر على قوم تجلى لها " [ ص: 341 ] .

ورواه ابن فورك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخوف أهل الأرض أبدى عن بعضه ، وإذا أراد أن يدمر عليهم تجلى لها " .

أما قوله : " أبدى عن بعضه " فهو على ظاهره ، وأنه راجع إلى الذات إذ ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ، ولا يخرجها عما تستحق .

فإن قيل : بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ، لأنه يستحيل وصفه بالكل والبعض والجزء ، فوجب حمله على إباء بعض آياته وعلاماته تحذيرا ونذيرا .

قيل : لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض ، كما أطلقنا تسمية يد ووجه ، لا على وجه التجزئة والبعض ، وإن كنا نعلم أن اليد في الشاهد بعض من الجملة .

وجواب آخر : وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله : " أبدى عن بعضه " على بعض آياته لوجب أن يحمل قوله : " وإذا أراد يدمر تجلى لها " على جميع آياته ، ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته ، لأنه قد أهلك بلادا ، كل بلد بغير ما أهلك به الآخر .

وأما قوله : " تجلى لها " فهو راجع إلى تجلي الذات ، كما حملنا التجلي للجبل أنه تجلي ذات حين تقطع الجبل ، كذلك ها هنا .

فإن قيل : يحمل قوله " تجلى لها " معناه آياته وأفعاله ، لأن معنى التجلي هو : الظهور ، ولهذا يقال : جلوت السيف وجلوت العروس ، إذا أظهرتها وأبرزتها ، ومنه قول القائل : تجلى لنا بالمشرفية والقنا [ ص: 342 ] يعني : بالسيوف والرماح قيل : هذا غلط ، لأنه إن جاز تأويل الخبر على إظهار آياته ، جاز تأويل تجليه للجبل على ظهور آياته ، ولما حملوا ذلك على ظاهره ، لم يمتنع أيضا حمل هذا التجلي على ظاهره ، إذ ليس في إضافة التجلي إليه ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه ، لأنا نطلق ذلك من غير انتقال ، ولا فراغ مكان وشغل مكان آخر ، وكذلك قوله : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) محمول على ظاهره في رؤية الذات لا الأفعال [ ص: 343 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية