الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
297 - وفي حديث آخر رواه ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تصدقوا فإن أحدكم يعطي اللقمة أو الشيء فيقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يدي السائل ، ثم تلى هذه الآية : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله فيوفيها إياه يوم القيامة " [ ص: 307 ] .

اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره ، إذ ليس فيه ما يحيل صفاته ، ولا يخرجها عما تستحق ، لأنا لا نثبت كفا هو جارحة ولا بعض ، بل نطلق كفا هو صفة كما أطلقنا يدين ووجها وعينا وسمعا وبصرا وذاتا ، كذلك لا يمتنع إطلاق ذلك في الكف ، ويكون فائدة الخبر الترغيب والحث في الصدقة ، وأنها مما يجب أن يقصد بها الطيب من المال لحصولها في كف الرحمن ، وأنه لا يقبل منا إلا الطيب فإن قيل : معنى الكف ها هنا : الملك والسلطان ، فيكون تقديره يقع في ملكه وسلطانه ، قال الأخطل :

أعاذل إن النفس في كف مالك إذا ما دعا يوما أجابت به الرسلا

وكان عمر رضي الله عنه ينشد كثيرا هذين البيتين : [ ص: 308 ]

هون عليك فإن الأمور     بكف الإله مقاديرها
فليس بآتيك منهيها     ولا قاصر عنك مأمورها



وهذا مستعمل في كلامهم : فلان في كفي ، يريدون بذلك يجري عليه أمري ، وربما قيل المراد بالكف : الأثر والنعمة ، ومعناه تقع منكم بنعمة من الله وتوفيقه إياكم لفعلها ، ومنه قول ذي الإصبع :

زمان به لله كف كريمة     علينا ونعما لهن بشير



أراد بذلك نعمة ظاهرة لله عز وجل فيه [ ص: 309 ] .

قيل : هذا غلط ، لأنه ليس شيء من الأشياء خارج عن ملكه وسلطانه ، ومن نفى ذلك كفر ، وكذلك جميع الطاعات تقع بنعمة من الله وتوفيقه ، وإذا كان كذلك ، فلا فائدة في تخصيص الصدقة بالنعمة وغيرها من الطاعات من جملة نعمه ، وكذلك لا فائدة في تخصيص الصدقة بالملك والسلطان وغيرها في ملكه وسلطانه ، فوجب حمل الخبر على ظاهره ، وما قاله الشاعر فهو على طريق المجاز ، لأن الحقيقة في هذه التسمية خلاف ذلك ، ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات الله ، لأن المجاز لا حقيقة له فإن قيل : كيف يصح حمله على ظاهره ، والصدقة من جملة المحدثات ، والمحدثات لا تلاقي القديم ؟! قيل : كما صح حمل قوله : ( خلقت بيدي ) على ظاهره وإن كان آدم من جملة المحدثات ، كذلك ها هنا لا يمتنع حمل ذلك على ظاهره على وجه لا يقتضي الملاقاة كما قلنا في خلق آدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية