الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( علق ) العين واللام والقاف أصل كبير صحيح يرجع إلى معنى واحد ، وهو أن يناط الشيء بالشيء العالي . ثم يتسع الكلام فيه ، والمرجع كله إلى الأصل الذي ذكرناه .

                                                          تقول : علقت الشيء أعلقه تعليقا . وقد علق به ، إذا لزمه . والقياس واحد . والعلق : ما تعلق به البكرة من القامة . ويقال العلق : آلة البكرة . ويقولون : البئر محتاجة إلى العلق . وقال أبو عبيدة : العلق هي البكرة بكل آلتها دون الرشاء والدلو . والعلق : الدم الجامد ، وقياسه صحيح ، لأنه يعلق بالشيء; والقطعة منه علقة . قال :


                                                          ينزو على أهدامه من العلق



                                                          ويقول القائل في الوعيد : " لتفعلن كذا أو لتشرقن بعلقة " يعني الدم ، كأنه يتوعده بالقتل . والعلق : أن يلز بعيران بحبل ويسنى عليهما إذا عظم الغرب . وأعلقت بالغرب بعيرين ، إذا قرنتهما بطرف رشائه .

                                                          قال اللحياني : بئر فلان تدوم على علق ، أي لا تنزح ، إذا كان عليها دلوان وقامة ورشاء . وهذه قامة ليس لها علق ، أي ليس لها حبل يعلق بها .

                                                          [ ص: 126 ] قال الخليل : العلق أن ينشب الشيء بالشيء . قال جرير :


                                                          إذا علقت مخالبه بقرن     أصاب القلب أو هتك الحجابا

                                                          وعلق فلان بفلان : خاصمه . والعلق : الهوى . وفي المثل : " نظرة من ذي علق " ، أي ذي هوى قد علق قلبه بمن يهواه . وقال الأعشى :


                                                          علقتها عرضا وعلقت رجلا     غيري وعلق أخرى غيرها الرجل



                                                          ومن الباب العلاق ، وهو الذي يجتزئ [ به ] الماشية من الكلأ إلى أوان الربيع . وقال الأعشى :


                                                          وفلاة كأنها ظهر ترس     ليس إلا الرجيع فيها علاق

                                                          يقول : لا تجد الإبل فيها علاقا إلا ما تردده من جرتها في أفواهها . والظبية تعلق علوقا ، إذا تناولت الشجرة بفيها . وفي حديث الشهداء : إن أرواحهم في أجواف طير خضر تعلق في الجنة . والعلقة : شجر يبقى في الشتاء تعلق به الإبل فتستغني به ، مثل العلاق . ويقال : ما يأكل فلان إلا علقة ، أي ما يمسك نفسه .

                                                          قال ابن الأعرابي : العلقة : الشيء القليل ما كان ، والجمع علق . ومن الباب : العلقة : دويبة تكون في الماء ، والجمع علق ، تعلق بحلق الشارب . ورجل [ ص: 127 ] معلوق ، إذا أخذت العلق بحلقه . وقد علقت الدابة علقا ، إذا علقتها العلقة عند الشرب .

                                                          ومن الباب على نحو الاستعارة ، قولهم : علق دم فلان ثياب فلان ، إذا كان قاتله . ويقولون : دم فلان في ثوب فلان . قال أبو ذؤيب :


                                                          تبرأ من دم القتيل وبزه     وقد علقت دم القتيل إزارها



                                                          قالوا : الإزار يذكر ويؤنث في لغة هذيل وبزه : سلاحه . وقال قوم : " علقت دم القتيل إزارها " مثل ، يقال : حملت دم فلان في ثوبك ، أي قتلته . وهذا على كلامين ، أراد علقت المرأة دم القتيل ثم قال : علقه إزارها .

                                                          قالوا : والعلاقة : الخصومة . قال الخليل : رجل معلاق ، إذا كان شديد الخصومة . قال مهلهل :


                                                          إن تحت الأحجار حزما     وجودا وخصيما ألد ذا معلاق



                                                          ورواه غيره بالغين ، وهو الخصم الذي يغلق عنده رهن خصمه فلا يقدر على افتكاكه منه ، للدده .

                                                          وتعليق الباب : نصبه . والمعاليق والأعاليق للعنب ونحوه ، ولا واحد للأعاليق . والعلاقة : [ علاقة ] السوط ونحوه . والعلاقة للحب . والعلاقة : [ ص: 128 ] ما ذكرناه من العلاق الذي يتعلق به في معيشة وغيرها . والعليق : القضيم ، من قولك أعلقته فهو عليق ، كما يقال أعقدت العسل فهو عقيد .

                                                          وذكر عن الخليل أنه قال : يسمى الشراب عليقا . ومثل هذا مما لعل الخليل لا يذكره ، ولا سيما هذا البيت شاهده .


                                                          واسق هذا وذا وذاك وعلق     لا نسمي الشراب إلا العليقا



                                                          ويقولون لمن رضي بالأمر بدون تمامه : متعلق . ومن أمثالهم :


                                                          علقت معالقها وصر الجندب



                                                          وأصله أن رجلا انتهى إلى بئر فأعلق رشاءه برشائها ، ثم صار إلى صاحب البئر فادعى جواره ، فقال له : وما سبب ذلك ؟ فقال : علقت رشائي برشائك . فأمره بالارتحال عنه ، فقال الرجل : " علقت معالقها وصر الجندب " ، أي علقت الدلو معالقها وجاء الحر ولا يمكن الذهاب .

                                                          وقد علقت الفسيلة إذا ثبتت في الغراس . ويقولون : أعلقت الأم من عذرة الصبي بيدها تعلق إعلاقا ، والعذرة قريبة من اللهاة وهي وجع ، فكأنها لما رفعته أعلقته . ويقال هذا علق من الأعلاق ، للشيء النفيس ، كأن كل من رآه يعلقه . ثم يشبهون ذلك فيسمون الخمر العلق . وأنشدوا :


                                                          إذا ما ذقت فاها قلت علق مدمس     أريد به قيل فغودر في ساب

                                                          [ ص: 129 ] ويقال للشيء النفيس : علق مضنة ومضنة . ويقال فلان ذو معلقة ، إذا كان مغيرا يعلق بكل شيء . وأعلقت ، أي صادفت علقا نفيسا ، وجمع العلق علوق . قال الكميت :


                                                          إن يبع بالشباب شيئا فقد با ع     رخيصا من العلوق بغال



                                                          والعلاقة : الحب اللازم للقلب . ويقولون : إن العلوق من النساء : المحبة لزوجها . وقوله تعالى : فتذروها كالمعلقة ، هي التي لا تكون أيما ولا ذات بعل ، كأن أمرها ليس بمستقر . وكذلك قول المرأة في حديث أم زرع : إن أنطق أطلق ، وإن أسكت أعلق . وقولهم : " ليس المتعلق كالمتأنق " أي ليس من عيشه قليل كمن يتأنق فيختار ما شاء . والعلائق : البضائع . ويقولون : جاء فلان بعلق فلق ، أي بداهية . وقد أعلق وأفلق . وأصل هذا أنها داهية تعلق كلا . ويقال إن العلوق : ما تعلقه السائمة من الشجر بأفواهها من ورق أو ثمر . وما علقت منه السائمة علوق . قال :


                                                          هو الواهب المائة المصطفا     ة لاط العلوق بهن احمرارا



                                                          [ ص: 130 ] يريد أنهن رعين في الشجر وعلقنه حتى سمن واحمررن ولاط بهن . والإبل إذا رعت في الطلح ونحوه فأكلت ورقه أخصبت عليه وسمنت واحمرت . والعليق : شجر من شجر الشوك لا يعظم ، فإذا نشب فيه الشيء لم يكد يتخلص من كثرة شوكه ، وشوكه حجن حداد ، ولذلك سمي عليقا . ويقولون : هذا حديث طويل العولق ، أي طويل الذنب .

                                                          وأما العلوق من النوق ، فقال الكسائي : العلوق : الناقة التي تأبى أن ترأم ولدها . والمعالق مثلها . وأنشد :


                                                          أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به     رئمان أنف إذا ماضن باللبن



                                                          فقياسه صحيح ، كأنها علقت لبنها فلا يكاد يتخلص منها . قال أبو عمرو : العلوق ما يعلق الإنسان . ويقال للمنية : علوق . قال :


                                                          وسائلة بثعلبة بن سير     وقد علقت بثعلبة العلوق



                                                          وعلق الظبي في الحبالة يعلق ، إذا نشق فيها . وقد أعلقته الحبالة . وأعلق الحابل إعلاقا ، إذا وقع في حبالته الصيد . وقال أعرابي : " فجاء ظبي يستطيف [ ص: 131 ] الكفة فأعلقته " . ويقال للحابل : أعلقت فأدرك . وكذلك الظبي إذا وقع في الشرك ، أعلق به . قال ذو الرمة :


                                                          ويوم يزير الظبي أقصى كناسه     وتنزو كنزو المعلقات جنادبه



                                                          ويقولون : ما ترك الحالب للناقة علقة ، أي لم يدع في ضرعها شيئا إلا حلبه . وقلائد النحور ، وهي العلائق . فأما العليقة فالدابة تدفع إلى الرجل ليمتار عليها لصاحبها ، والجمع علائق . قال :


                                                          وقائلة لا تركبن عليقة     ومن لذة الدنيا ركوب العلائق



                                                          وقال آخر :


                                                          أرسلها عليقة وقد علم أن     العليقات يلاقين الرقم



                                                          ويقولون : علق يفعل كذا ، كأنه يتعلق بالأمر الذي يريده . وقد علق الكبر منه معالقه . ومعاليق العقد والشنوف : ما يعلق بهما مما يحسنهما . ويقولون : علقت المرأة : حبلت . ورجل ذو معلقة ، إذا كان مغيرا يتعلق بكل شيء . قال :


                                                          أخاف أن يعلقها ذو معلقه



                                                          [ ص: 132 ] والعلاقية : الرجل الذي إذا علق شيئا لم يكد يدعه . وأما العلقة ، فقال ابن السكيت : هي قميص يكون إلى السرة وإلى أنصاف السرة ، وهي البقيرة . وأنشد :


                                                          وما هي إلا في إزار وعلقة     مغار ابن همام على حي خثعما



                                                          وهو من القياس; لأنه إذا لم يكن ثوبا واسعا فكأنه شيء علق على شيء . قال أبو عمرو : وهو ثوب يجاب ولا يخاط جانباه ، تلبسه الجارية إلى الحجزة ، وهو الشوذر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية