الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عبر ) العين والباء والراء أصل صحيح واحد يدل على النفوذ والمضي في الشيء . يقال : عبرت النهر عبورا . وعبر النهر : شطه . ويقال : ناقة عبر أسفار : لا يزال يسافر عليها . قال الطرماح :


                                                          وقد تبطنت بهلواعة عبر أسفار كتوم البغام



                                                          [ ص: 208 ] والمعبر : شط نهر هيئ للعبور . والمعبر : سفينة يعبر عليها النهر . ورجل عابر سبيل ، أي مار . قال الله - تعالى - : ولا جنبا إلا عابري سبيل ، ومن الباب العبرة ، قال الخليل : عبرة الدمع : جريه . قال : والدمع أيضا نفسه عبرة . قال امرؤ القيس :


                                                          وإن شفائي عبرة إن سفحتها     فهل عند رسم دارس من معول

                                                          وهذا من القياس; لأن الدمع يعبر ، أي ينفذ ويجري . والذي قاله الخليل صحيح يدل على صحة القياس الذي ذكرناه .

                                                          وقولهم : عبر فلان يعبر عبرا من الحزن ، وهو عبران ، والمرأة عبرى وعبرة ، فهذا لا يكون إلا وثم بكاء . ويقال : استعبر ، إذا جرت عبرته . ويقال من هذا : امرأة عابر ، أي بها العبر . وقال :


                                                          يقول لي الجرمي هل أنت مردفي     وكيف رداف الفل أمك عابر



                                                          فهذا الأصل الذي ذكرناه . ثم يقال لضرب من السدر عبري ، وإنما يكون كذلك إذا نبت على شطوط الأنهار . والشط يعبر ويعبر إليه . قال العجاج :

                                                          [ ص: 209 ]

                                                          لاث بها الأشاء والعبري



                                                          الأشاء : الفسيل ، الواحدة أشاءة وقد ذكرناه . ويقال إن العبري لا يكون إلا طويلا ، وما كان أصغر منه فهو الضال . قال ذو الرمة :


                                                          قطعت إذا تجوفت العواطي     ضروب السدر عبريا وضالا

                                                          ويقال : بل الضال ما كان في البر .

                                                          ومن الباب : عبر الرؤيا يعبرها عبرا وعبارة ، ويعبرها تعبيرا ، إذا فسرها . ووجه القياس في هذا عبور النهر; لأنه يصير من عبر إلى عبر . كذلك مفسر الرؤيا يأخذ بها من وجه إلى وجه ، كأن يسأل عن الماء ، فيقول : حياة . ألا تراه قد عبر في هذا من شيء إلى شيء .

                                                          ومما حمل على هذه : العبارة ، قال الخليل : تقول : عبرت عن فلان تعبيرا ، إذا عي بحجته فتكلمت بها عنه . وهذا قياس ما ذكرناه; لأنه لم يقدر على النفوذ في كلامه فنفذ الآخر بها عنه .

                                                          فأما الاعتبار والعبرة فعندنا مقيسان من عبري النهر; لأن كل واحد منهما [ ص: 210 ] عبر مساو لصاحبه فذاك عبر لهذا ، وهذا عبر لذاك . فإذا قلت اعتبرت الشيء ، فكأنك نظرت إلى الشيء فجعلت ما يعنيك عبرا لذاك : فتساويا عندك . هذا عندنا اشتقاق الاعتبار . قال الله - تعالى : فاعتبروا ياأولي الأبصار ، كأنه قال : انظروا إلى من فعل ما فعل فعوقب بما عوقب به ، فتجنبوا مثل صنيعهم لئلا ينزل بكم مثل ما نزل بأولئك . ومن الدليل على صحة هذا القياس الذي ذكرناه ، قول الخليل : عبرت الدنانير تعبيرا ، إذا وزنتها دينارا [ دينارا ] . قال : والعبرة : الاعتبار بما مضى .

                                                          ومما شذ عن الأصل : المعبر من الجمال : الكثير الوبر . والمعبر من الغلمان : الذي لم يختن . وما أدري ما وجه القياس في هذا . وقال في المعبر الذي لم يختن بشر بن [ أبي ] خازم :


                                                          وارم العفل معبر



                                                          ومن هذا الشاذ : العبير ، قال قوم : هو الزعفران . وقال قوم : هي أخلاط طيب . وقال الأعشى :


                                                          وتبرد برد رداء العروس     بالصيف رقرقت فيه العبيرا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية