الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عصم ) العين والصاد والميم أصل واحد صحيح يدل على إمساك ومنع وملازمة . والمعنى في ذلك كله معنى واحد . من ذلك العصمة : أن يعصم الله - تعالى - عبده من سوء يقع فيه . واعتصم العبد بالله - تعالى - ، إذا امتنع . واستعصم : التجأ . وتقول العرب : أعصمت فلانا ، أي هيأت له شيئا يعتصم بما نالته يده أي يلتجئ ويتمسك به . قالالنابغة :


                                                          يظل من خوفه الملاح معتصما بالخيزرانة من خوف ومن رعد



                                                          والمعصم من الفرسان : السيئ الحال في فروسته ، تراه يمتسك بعرف فرسه أو غير ذلك . قال :

                                                          [ ص: 332 ]

                                                          إذا ما غدا لم يسقط الروع رمحه     ولم يشهد الهيجا بألوث معصم



                                                          والعصمة : كل شيء اعتصمت به . وعصمه الطعام : منعه من الجوع .

                                                          ومن الباب العصيم ، وهو الصدأ من الهناء والبول ييبس على فخذ الناقة . قال :


                                                          وأضحى عن مراسهم قتيلا     بلبته سرائح كالعصيم



                                                          وأثر الخضاب عصيم ، والمعصم : الجلد لم ينح وبره عنه ، بل ألزم شعره لأنه لا ينتفع به . يقال : أعصمنا الإهاب .

                                                          قال الأصمعي : العصم : أثر كل شيء من ورس أو زعفران أو نحوه . قال : وسمعت امرأة من العرب تقول لأخرى : " أعطيني عصم حنائك " أي ما سلت منه . ويقال : بيده عصمة خلوق ، أي أثره . قلنا : وهذا الذي ذكره الأصمعي من كلام المرأة مخالف لقوله إن العصم : الأثر ، لأنها لم تسأل الأثر . والصحيح في هذا أن يقال العصم : الحناء ; ما لزم يد المختضبة ، وأثره بعد ذلك عصم ، لأنه باق ملازم .

                                                          ومما قيس على عصم الحناء : العصمة : البياض يكون برسغ ذي القوائم . من ذلك الوعل الأعصم ، وعصمته : بياض في رسغه ، والجمع من الأعصم عصم وقال :


                                                          مقادير النفوس مؤقتات     تحط العصم من رأس اليفاع



                                                          [ ص: 333 ] وقال الأعشى :


                                                          قد يترك الدهر في خلقاء راسية     وهيا وينزل منها الأعصم الصدعا



                                                          ويقال : غراب أعصم ، إذا كان ذلك الموضع منه أبيض ، وقلما يوجد . قال ابن الأعرابي : العصمة في الخيل بياض قل أو كثر ، باليدين دون الرجلين فيقولون : هو أعصم اليدين . وكل هذا قياسه واحد ، كأن ذلك الوضح أثر ملازم لليد كما قلناه في عصم الحناء .

                                                          ومن الباب العصمة : القلادة ، سميت بذلك للزومها العنق . قال لبيد فجمعها على أعصام ، كأنه أراد جمع عصم :


                                                          حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا     غضفا دواجن قافلا أعصامها



                                                          ومن الباب : عصام المحمل : شكاله وقيده الذي يشد به عارضاه . وعصام القربة : عقال نحو ذراعين ، يجعل في خربتي المزدتين لتلتقيا . وقد أعصمتهما : جعلت لهما عصاما . قال تأبط شرا :


                                                          وقربة أقوام جعلت عصامها     على كاهل مني ذلول مرحل



                                                          قال : ولا يكون للدلو عصام .

                                                          ومن الباب معصم المرأة ، وهو موضع السوارين من ساعديها . وقال :


                                                          فاليوم عندك دلها وحديثها     وغدا لغيرك كفها والمعصم



                                                          [ ص: 334 ] وإنما سمي معصما لإمساكه السوار ، ثم يكون معصما ولا سوار . ويقال : أعصم به وأخلد ، إذا لزمه .

                                                          وعصام : رجل . والعرب تقول عند الاستخبار : " ما وراءك يا عصام ؟ " ، والأصل قول النابغة :


                                                          ولكن ما وراءك يا عصام



                                                          ويقولون للسائد بنفسه لا بآبائه :


                                                          نفس عصام سودت عصاما



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية