الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عرج ) العين والراء والجيم ثلاثة أصول : الأول يدل على ميل وميل ، والآخر على عدد ، والآخر على سمو وارتقاء .

                                                          فالأول : العرج مصدر الأعرج ، ويقال منه : عرج يعرج عرجا ، إذا صار أعرج . وقالوا : عرج يعرج خلقة ، وعرج يعرج إذا مشى مشية العرجان . والعرجاء : الضبع ، وذلك خلقة فيها ، فلذلك سميت العرجاء ، والجمع عرج . وجمع الأعرج من الناس العرجان . ويقال للغراب أعرج ، لأنه إذا مشى حجل .

                                                          ومن هذا الباب التعرج ، وهو حبس المطايا في مناخ أو موقف يميلها إليه . قال ذو الرمة :


                                                          يا جارتي بنت فضاض أما لكما حتى نكلمها هم بتعريج



                                                          و قال ابن الأعرابي : عرجت عليه ، أي حبست مطيتي عليه . ومالي عليه [ ص: 303 ] عرجة ولا معرجة . ويقال للطريق إذا مال : انعرج . وانعرج الوادي . ومنعرجه : حيث يميل يمنة ويسرة . وانعرج القوم عن الطريق ، إذا مالوا عنه . ويقولون : إن العريجاء : الهاجرة . وإن صح هذا فلأن كل شيء ينعرج إلى مكان يقيه الحر . قال :


                                                          لكن سهية تدري أنني ذكر     على عريجاء لما ابتلت الأزر



                                                          وكان الأصمعي يقول : أن ترد الإبل يوما غدوة ويوما عشية . وقد عرجنا من العريجاء . والعرجاء : هضبة معروفة . قال أبو ذؤيب :


                                                          فكأنها بالجزع جزع نبايع     وأولات ذي العرجاء نهب مجمع



                                                          ويقال إنما سميت العرجاء لأن الطريق يتعرج بها . ويقال : أمر عريج ، إذا لم يستقم ، هو معوج بعد .

                                                          والأصل الآخر من الإبل ، قال قوم : ثمانون إلى تسعين ، فإذا بلغت المائة فهي هنيدة ، والجمع عروج وأعراج . قال طرفة :


                                                          يوم تبدي البيض عن أسوقها     وتلف الخيل أعراج النعم



                                                          [ ص: 304 ] ويقال : العرج مائة وخمسون . وهذا الأصل قد يمكن ضمه إلى الأول ، لأن صاحب ذلك يعرج عليه ويكتفي به .

                                                          والأصل الثالث : العروج : الارتقاء . يقال عرج يعرج عروجا ومعرجا . والمعرج : المصعد . قال الله - تعالى - : تعرج الملائكة والروح إليه . فأما قول القائل :


                                                          حتى إذا ما الشمس همت بعرج



                                                          فقالوا : أراد غيبوبة الشمس . وهذا وإن كان صحيحا فهو غير ملخص في التفسير ، وإنما المعنى أنها لما غابت فكأنها عرجت إلى السماء ، أي صعدت . ومما يؤيد هذا قول الآخر :


                                                          وعرج الليل بروج الشمس



                                                          فهذا هو القياس الصحيح .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية