الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عجس ) العين والجيم والسين أصل صحيح واحد ، يدل على تأخر الشيء كالعجز ، في عظم وغلظ وتجمع . من ذلك العجس والمعجس : مقبض [ القوس ] ، وعجسها وعجزها سواء . وإنما ذلك مشبه بعجز الإنسان وعجيزته . قال أوس في العجس :


                                                          كتوم طلاع الكف لا دون ملئها ولا عجسها عن موضع الكف أفضلا



                                                          يقول : عجسها على قدر القبضة ، سواء . وقال في المعجس مهلهل :


                                                          أنبضوا معجس القسي وأبرق     نا كما توعد الفحول الفحولا



                                                          ومن الباب : عجاساء الليل : ظلمته ، وذلك في مآخيره; وشبهت بعجاساء الإبل .

                                                          قال أهل اللغة : العجاساء من الإبل : العظام المسان . قال الراعي :


                                                          إذا بركت منها عجاساء جلة     بمحنية أجلى العفاس وبروعا



                                                          [ ص: 235 ] العفاس وبروع : ناقتان . وهذا منقاس من الذي ذكرناه من مآخير الشيء ومعظمه . وذلك أن أهل اللغة يقولون : التعجس : التأخر . قالوا : ويمكن أن يكون اشتقاق العجاساء من الإبل منه ، وذلك أنها هي التي تستأخر عن الإبل في المرتع . قالوا : والعجاساء من السحاب : عظامها . وتقول : تعجسني عنك كذا ، أي أخرني عنك . وكل هذا يدل على صحة القياس الذي قسناه .

                                                          وقال الدريدي : تعجست الرجل ، إذا أمر أمرا فغيرته عليه . وهذا صحيح لأنه من التعقب ، وذلك لا يكون إلا بعد مضي الأول وإتيان الآخر على ساقته وعند عجزه . وذكروا أن العجيساء : مشية بطيئة . وهو من الباب . ومما يدل على صحة قياسنا في آخر الليل وعجاسائه قول الخليل : العجس : آخر الليل . وأنشد :


                                                          وأصحاب صدق قد بعثت بجوشن     من الليل لولا حب ظمياء عرسوا
                                                          فقاموا يجرون الثياب وخلفهم     من الليل عجس كالنعامة أقعس



                                                          وذكر أحمد بن يحيى ، عن ابن الأعرابي : أن العجسة آخر ساعة في الليل . فأما قولهم : " ولا آتيك سجيس عجيس " فمن هذا أيضا ، أي لا آتيك آخر الدهر . وحجة هذا قول أبي ذؤيب :


                                                          سقى أم عمرو كل آخر     ليلة حناتم مزن ماؤهن ثجيج



                                                          لم يرد أواخر الليالي دون أوائلها ، لكنه أراد أبدا .

                                                          [ ص: 236 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية