الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عود ) العين‌‌ والواو والدال أصلان صحيحان ، يدل أحدهما على تثنية في الأمر ، والآخر جنس من الخشب .

                                                          فالأول : العود ، قال الخليل : هو تثنية الأمر عودا بعد بدء . تقول : بدأ ثم عاد . والعودة : المرة الواحدة . وقولهم عاد فلان بمعروفه ، وذلك إذا أحسن ثم زاد . ومن الباب العيادة : أن تعود مريضا . ولآل فلان معادة ، أي أمر يغشاهم الناس له . والمعاد : كل شيء إليه المصير . والآخرة معاد للناس . والله - تعالى - المبدئ المعيد ، وذلك أنه أبدأ الخلق ثم يعيدهم . وتقول : رأيت فلانا ما يبدئ وما يعيد ، أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة . قال عبيد :


                                                          أقفر من أهله عبيد فاليوم لا يبدي ولا يعيد



                                                          والعيد : ما يعتاد من خيال أو هم . ومنه المعاودة ، واعتياد الرجل ، والتعود . وقال عنترة يصف ظليما يعتاد بيضه كل ساعة :


                                                          صعل يعود بذي العشيرة بيضه     كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

                                                          [ ص: 182 ] ويقولون : أعاد الصلاة والحديث . والعادة : الدربة . والتمادي في شيء حتى يصير له سجية . ويقال للمواظب على الشيء : المعاود . وفي بعض الكلام : " الزموا تقى الله - تعالى - واستعيدوها " ، أي تعودوها . ويقال في معنى تعود : أعاد . قال :


                                                          الغرب غرب بقري فارض     لا يستطيع جره الغوامض
                                                          إلا المعيدات به النواهض



                                                          يعني النوق التي استعادت النهض بالدلو . ويقال للشجاع : بطل معاود ، أي لا يمنعه ما رآه شدة الحرب أن يعاودها . والقياس في كل هذا صحيح . فأما الجمل المسن فهو يسمى عودا . وممكن أن يكون من هذا ، كأنه عاود الأسفار والرحل مرة بعد مرة .

                                                          وقد أومأ الخليل إلى معنى آخر فقال : هو الذي [ فيه ] بقية . فإن كان كذا فلأن لأصحابه في إعماله عودة . والمعنيان كلاهما جيدان .

                                                          وجمع الجمل العود : عودة . ويقال منه : عود يعود تعويدا ، إذا بلغ ذلك الوقت . وقال :


                                                          هل المجد إلا السودد العود والندى     ورأب الثأي والصبر عند المواطن


                                                          [ ص: 183 ] وهذا على معنى الاستعارة ، كأنه أراد السودد القديم . ويقولون أيضا للطريق القديم : عود . قال :


                                                          عود على عود لأقوام أول     يموت بالترك ويحيا بالعمل



                                                          يعني بالعود الجمل . على عود ، أي طريق قديم . وكذلك الطريق يموت أو يدرس إذا ترك ، ويحيا إذا سلك . ومن الباب : العائدة ، وهو المعروف والصلة . تقول : ما أكثر عائدة فلان علينا . وهذا الأمر أعود من هذا ، أي أرفق .

                                                          ومن الباب العيد : كل يوم مجمع . واشتقاقه قد ذكره الخليل من عاد يعود ، كأنهم عادوا إليه . ويمكن أن يقال لأنه يعود كل عام . وهذا عندنا أصح . وقال غيره ، وهو قريب من المعنيين : إنه سمي عيدا لأنهم قد اعتادوه . والياء في العيد أصلها الواو ، ولكنها قلبت ياء لكسرة العين . وقال العجاج :


                                                          يعتاد أرباضا لها آري     كما يعود العيد نصراني


                                                          ويجمعون العيد أعيادا ، ويصغرونه على التغيير عييد . ويقولون فحل معيد : معتاد للضراب . والعيدية : نجائب منسوبة ، قالوا : نسبت إلى عاد . والله أعلم .

                                                          وأما الأصل الآخر فالعود وهو كل خشبة دقت . ويقال بل كل خشبة عود . والعود : الذي يتبخر به ، معروف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية