الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عر ) العين والراء أصول صحيحة أربعة .

                                                          فالأول يدل على لطخ شيء بغير طيب ، وما أشبه ذلك ، والثاني يدل على صوت ، والثالث يدل على سمو وارتفاع ، والرابع يدل على معالجة شيء . وذلك بشرط أنا لا نعد النبات ولا الأماكن فيما ينقاس من كلام العرب .

                                                          [ ص: 33 ] فالأول العر والعر . قال الخليل : هما لغتان ، يقال هو الجرب . وكذلك العرة . وإنما سمي بذلك لأنه كأنه لطخ بالجسد . ويقال العرة القذر بعينه . وفي الحديث : لعن الله بائع العرة ومشتريها .

                                                          قال ابن الأعرابي : العر الجرب . والعر : تسلخ جلد البعير . وإنما يكوى من العر لا من العر . قال محمد بن حبيب : جمل أعر ، أي أجرب . وناقة عراء . قال النضر : جمل عار وناقة عارة ، ولا يقال : معرور في الجرب ، لأن المعرورة التي يصيبها عين في لبنها وطرقها . وفي مثل : " نح الجرباء عن العارة " . قال : والجرباء : التي عمها الجرب ، والعارة : التي قد بدأ فيها ذلك ، فكأن رجلا أراد أن يبعد بإبله الجرباء عن العارة ، فقال صاحبه مبكتا له بذلك ، أي لم ينحيها وكلها أجرب . ويقال : ناقة معرورة قد مست ضرعها نجاسة فيفسد لبنها . ورجل عارورة ، أي قاذورة ، قال أبو ذؤيب :


                                                          فكلا أراه قد أصاب عرورها



                                                          [ ص: 34 ] قال الأصمعي : العر : القرح ، مثل القوباء يخرج في أعناق الإبل ، وأكثر ما يصيب الفصلان .

                                                          قال أبو زيد : يقال : أعر فلان ، إذا أصاب إبله العر .

                                                          قال الخليل : العرة : القذر ، يقال هو عرة من العرر ، أي من دنا منه لطخه بشر . قال : وقد يستعمل العرة في الذي للطير أيضا . قال الطرماح :


                                                          في شناظي أقن بينها     عرة الطير كصوم النعام





                                                          الشناظي : أطراف الجبل ، الواحد شنظوة . ولم تسمع إلا في هذا البيت .

                                                          ويقال : استعرهم الشر ، إذا فشا فيهم . ويقال عره بشر يعره عرا ، إذا رماه به . قال الخليل : المعرة : ما يصيب الإنسان من إثم . قال الله - سبحانه - : فتصيبكم منهم معرة بغير علم

                                                          ولعل من هذا الباب ما رواه أبو عبيد : رجل فيه عرارة ، أي سوء خلق .

                                                          فأما المعتر الذي هو الفقير والذي يعترك ويتعرض لك ، فعندنا أنه من هذا ، كأنه إنسان يلاز ويلازم . والعرارة التي ذكرها أبو عبيد من سوء الخلق ، ففيه لغة أخرى ، قال الشيباني : العرعر : سوء الخلق . قال مالك الدبيري :


                                                          وركبت صومها وعرعرها     فلم أصلح لها ولم أكد



                                                          يقول : لم أصلح لهم ما صنعوا . والصوم : القذر . يريد ارتكبت سوء أفعالها ومذموم خلقها .

                                                          [ ص: 35 ] ومن الباب المعرار ، من النخل . قال أبو حاتم : المعرار : المحشاف . ويقال : بل المعرار التي يصيبها [ مثل العر ، وهو ] الجرب .

                                                          ومن الباب العرير ، وهو الغريب . وإنما سمي عريرا على القياس الذي ذكرناه لأنه كأنه عر بهؤلاء الذين قدم عليهم ، أي ألصق بهم . وهو يرجع إلى باب المعتر .

                                                          ومن ذلك حديث حاطب ، حين قيل له : لم كاتبت أهل مكة ؟ فقال : " كنت عريرا فيهم " أي غريبا لا ظهر لي .

                                                          ومن الباب المعرة في السماء ، وهي ما وراء المجرة من ناحية القطب الشمالي . سمي معرة لكثرة النجوم فيه . قال : وأصل المعرة موضع العر ، يعني الجرب . والعرب تسمي السماء الجرباء ، لكثرة نجومها . وسأل رجل رجلا عن منزله فأخبره أنه ينزل بين حيين عظيمين من العرب ، فقال : " نزلت بين المجرة والمعرة " .

                                                          والأصل الثاني : الصوت . فالعرار : عرار الظليم ، وهو صوته . قال لبيد :


                                                          تحمل أهلها إلا عرارا     وعزفا بعد أحياء حلال



                                                          قال ابن الأعرابي : عار الظليم يعار . ولا يقال عر . قال أبو عمرو : العرار : صوت الذكر إذا أراد الأنثى . والزمار : صوت الأنثى إذا أرادت الذكر . وأنشد :

                                                          [ ص: 36 ]

                                                          متى ما تشأ تسمع عرارا بقفرة     يجيب زمارا كاليراع المثقب

                                                          قال الخليل : تعار الرجل يتعار ، إذا استيقظ من نومه . قال : وأحسب عرار الظليم من هذا . وفي حديث سلمان : " أنه كان إذا تعار من الليل سبح " .

                                                          ومن الباب : عرعار ، وهي لعبة للصبيان ، يخرج الصبي فإذا لم يجد صبيانا رفع صوته فيخرج إليه الصبيان . قال الكميت :


                                                          حيث لا تنبض القسي ولا تل     قى بعرعار ولدة مذعورا



                                                          وقال النابغة :


                                                          متكنفي جنبي عكاظ كليهما     يدعو وليدهم بها عرعار



                                                          يريد أنهم آمنون ، وصبيانهم يلعبون هذه اللعبة . ويريد الكميت أن هذا الثور لا يسمع إنباض القسي ولا أصوات الصبيان ولا يذعره صوت . يقال عرعرة وعرعار ، كما قالوا قرقرة وقرقار ، وإنما هي حكاية صبية العرب .

                                                          والأصل الثالث الدال على سمو وارتفاع . قال الخليل : عرعرة كل شيء : أعلاه . قال الفراء : العرعرة : المعرفة من كل دابة . والعرعرة : طرف السنام . قال أبو زيد : عرعرة السنام : عصبة تلي الغراضيف .

                                                          ومن الباب : جمل عراعر ، أي سمين . قال النابغة :

                                                          [ ص: 37 ] له بفناء البيت جوفاء جونة تلقم

                                                          أوصال الجزور العراعر



                                                          ويتسعون في هذا حتى يسموا الرجل الشريف عراعر . قال مهلهل :


                                                          خلع الملوك وسار تحت لوائه     شجر العرى وعراعر الأقوام



                                                          ومن الباب : حمار أعر ، إذا كان السمن في صدره وعنقه . ومنه العرارة وهي السودد . قال :


                                                          إن العرارة والنبوح لدارم     والمستخف أخوهم الأثقالا



                                                          قال ابن الأعرابي : العرارة العز ، يقال هو في عرارة خير ، وتزوج فلان في عرارة نساء ، إذا تزوج في نساء يلدن الذكور . فأما العرر الذي ذكره الخليل في صغر السنام فليس مخالفا لما قلناه; لأنه يرجع إلى الباب الأول من لصوق الشيء بالشيء ، كأنه من صغره لاصق بالظهر . يقال جمل أعر وناقة عراء ، إذا لم يضخم سنامها وإن كانت سمينة ; وهي بينة العرر وجمعها عر . قال :


                                                          أبدأن كوما ورجعن عرا



                                                          ويقولون : نعجة عراء ، إذا لم تسمن أليتها; وهو القياس ، لأن ذلك كالشيء الذي كأنه قد عر بها ، أي ألصق .

                                                          [ ص: 38 ] والأصل الرابع ، وهو معالجة الشيء . تقول : عرعرت اللحم عن العظم ، وشرشرته ، بمعنى . قالوا : والعرعرة المعالجة للشيء بعجلة ، إذا كان الشيء يعسر علاجه . تقول : عرعرت رأس القارورة ، إذا عالجته لتخرجه . ويقال إن رجلا من العرب ذبح كبشا ودعا قومه فقال لامرأته : إني دعوت هؤلاء فعالجي هذا الكبش وأسرعي الفراغ منه ، ثم انطلق ودعا بالقوم ، فقال لها : ما صنعت ؟ فقالت : قد فرغت منه كله إلا الكاهل فأنا أعرعره ويعرعرني . قال : تزوديه إلى أهلك . فطلقها . وقال ذو الرمة :


                                                          وخضراء في وكرين عرعرت رأسها     لأبلي إذا فارقت في صحبتي عذرا



                                                          فأما العرعر فشجر . وقد قلنا إن ذلك [ غير ] محمول على القياس ، وكذلك أسماء الأماكن نحو عراعر ، ومعرين ، وغير ذلك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية