الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( غر ) الغين والراء أصول ثلاثة صحيحة : الأول المثال ، والثاني النقصان ، والثالث العتق والبياض والكرم .

                                                          فالأول : الغرار : المثال الذي يطبع عليه السهام . ويقال : ولدت فلانة أولادها على غرار واحد ، أي جاءت بهم واحدا بعد واحد على مثال واحد . وأصل

                                                          هذا الغر ، وهو الكسر في الثوب . يقال : اطو الثوب على غره ، أي كسره ومثاله الأول . والغرة : سنة الإنسان ، وهي وجهه ، ثم يعبر عن الجسم كله به . [ ص: 381 ] من ذلك : " في الجنين غرة : عبد أو أمة " ، أي عليه في ديته نسمة : عبد أو أمة . قال :


                                                          كل قتيل في كليب غره حتى ينال القتل آل مره



                                                          ومن الباب : الغرير ، وهو الضمين ، يقال : أنا غريرك من فلان ، أي كفيلك . وإنما سمي غريرا لأنه مثال المضمون عنه ، يؤخذ بالمال مثل ما يؤخذ المضمون عنه . ومحتمل أن يكون غرار السيف ، وهو حده ، من هذا . وكل شيء له حد فحده غرار ; لأنه شيء إليه انتهى طبع السيف ومثاله .

                                                          وأما النقصان فيقال : غارت الناقة تغار غرارا ، إذا نقص لبنها . وفي الحديث : لا غرار في صلاة ولا تسليم . فالغرار في الصلاة : ألا يتم ركوعها أو سجودها . والغرار في السلام : أن يقول السلام عليك ، أو يرد فيقول : وعليك . ومنه الغرار ، وهو النوم القليل . قال الشاعر :


                                                          إن الرزية من ثقيف هالك     ترك العيون فنومهن غرار



                                                          وقال جرير :


                                                          ما بال نومك في الفراش غرارا     لو كان قلبك يستطيع لطارا



                                                          ومن الباب : بيع الغرر ، وهو الخطر الذي لا يدرى أيكون أم لا ، كبيع العبد الآبق ، والطائر في الهواء . فهذا ناقص لا يتم البيع فيه أبدا . وغر الطائر فرخه ، إذا زقه ، وذلك لقلته ونقصان ما معه .

                                                          [ ص: 382 ] والأصل الثالث : الغرة . وغرة كل شيء : أكرمه . والغرة : البياض . وكل أبيض أغر . ويقال لثلاث ليال من أول الشهر غرة .

                                                          ومن الباب : الغرير ، وهو الخلق الحسن . يقولون للشيخ : أدبر غريره وأقبل هريره .

                                                          ومما يقارب هذا : الغرارة ، وهي كالغفلة ، وذلك أنها من كرم الخلق ، قد تكون في كل كريم . فأما المذموم من ذلك فهو من الأصل الذي قبل هذا ; لأنه من نقصان الفطنة .

                                                          ومما شذ عن هذه الأصول إن صح ، شيء ذكره الشيباني : أن الغرغر : دجاج الحبش ، واحدتها غرغرة . وأنشد :


                                                          ألفهم بالسيف من كل جانب     كما لفت العقبان حجلى وغرغرا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية