الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عور ) العين والواو والراء أصلان : أحدهما يدل على تداول الشيء ، والآخر يدل على مرض في إحدى عيني الإنسان وكل ذي عينين . ومعناه الخلو من النظر . ثم يحمل عليه ويشتق منه .

                                                          فالأول قولهم : تعاور القوم فلانا واعتوروه ضربا ، إذا تعاونوا ، فكلما كف واحد ضرب آخر . قال الخليل : والتعاور عام في كل شيء . ويقال تعاورت الرياح رسما حتى عفته ، أي تواظبت عليه . قال الأعشى :


                                                          دمنة قفرة تعاورها الصي ف بريحين من صبا وشمال



                                                          [ ص: 185 ] وحكى الأصمعي أو غيره : تعورنا العواري .

                                                          والأصل الآخر العور في العين . قال الخليل : يقال انظروا إلى عينه العوراء . ولا يقال لإحدى العينين عمياء . لأن العور لا يكون إلا في إحدى العينين . وتقول : عرت عينه ، وعورت ، وأعرت ، كل ذلك يقال . ويقولون في معنى التشبيه وهي كلمة عوراء . قال الخليل : الكلمة التي تهوي في غير عقل ولا رشد . قال :


                                                          ولا تنطق العوراء في القوم سادرا     فإن لها فاعلم من القوم واعيا



                                                          وقال بعضهم : العوراء : الكلمة القبيحة التي يمتعض منها الرجل ويغضب . وأنشد :


                                                          وعوراء قد قيلت فلم ألتفت لها     وما الكلم العوراء لي بقبول



                                                          ومن الباب العواء ، وهو خرق أو شق يكون في الثوب .

                                                          ومن الباب العورة ، واشتقاقها من الذي قدمنا ذكره ، وأنه مما حمل على الأصل ، كأن العورة شيء ينبغي مراقبته لخلوه . وعلى ذلك فسر قوله - تعالى : يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة ، قالوا : كأنها ليست بحريزة . وجمع العورة عورات . قال الشاعر :

                                                          [ ص: 186 ]

                                                          في جميع حافظي عوراتهم     لا يهمون بإدعاق الشلل



                                                          الإدعاق : الإسراع . والشلل : الطرد . ويقال في المكان يكون عورة : قد أعور يعور إعوارا . قال الخليل : ولو قلت أعار يعير إعارة جاز في القياس ، أي صار ذا عورة . ويقال أعور البيت : صارت فيه عورة . قال الخليل : يقال : عور يعور عورا . فعورة ، في قوله - تعالى : إن بيوتنا عورة ، قال الخليل : نعت يخرج على العدة والتذكير والتأنيث ، وعورة مجزومة على حال واحد في الجمع والواحد ، والتأنيث والتذكير ، كقولك رجل صوم وامرأة صوم ، ورجال صوم ونساء صوم . فأما قولهم إن العور ترك الحق ، وإنشادهم قول العجاج :


                                                          قد جبر الدين الإله فجبر     وعور الرحمن من ولى العور



                                                          فالقياس غير مقتض للفظ الذي ذكر من ترك الحق ، وإنما أراد العجاج العور الذي هو عور العين ، يضربه مثلا لمن عمي عن الحق فلم يهتد له .

                                                          وأما قول العرب : إن لفلان من المال عائرة عين ، يريدون الكثرة ، فمعناه المعنى الذي ذكرناه ، كأن العين تتحير عند النظر إلى المال الكثير فكأنها عورة . ويقولون عورت عين الركية ، إذا كبستها حتى نضب الماء . والمكان المعور : الذي يخاف فيه القطع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية