الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          1971 - (ع) : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن [ ص: 320 ] عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الأسدي ، أبو عبد الله المدني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه ، وابن عمته صفية بنت عبد المطلب ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة .

                                                                          شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهاجر الهجرتين ، وأسلم وهو ابن ست عشرة سنة ، وهو أول من سل سيفا في سبيل الله .

                                                                          روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم (ع) .

                                                                          روى عنه : الأحنف بن قيس (س) ، والحسن البصري (س) ، وابن ابنه عامر بن عبد الله بن الزبير ولم يدركه ، وابنه عبد الله بن الزبير (ع) ، وعبد الله بن عامر (ق) ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابنه عروة بن الزبير (خ 4) ، وقيس بن أبي حازم (س) ، ومالك بن أوس بن الحدثان (م د ت س) ، ومسلم بن جندب الهذلي ، وميمون بن [ ص: 321 ] مهران (ق) ، ونافع بن جبير بن مطعم (خ) ، وأبو جرو المازني (عس) ، ومولاه أبو حكيم (ت) ، ومولاته أم عطاء .

                                                                          قال هشام بن عروة ، عن أبيه : أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة سنة ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                          وقال عبد الله بن وهب ، عن الليث بن سعد ، عن أبي الأسود : أسلم الزبير وهو ابن ثماني سنين ، وهاجر وهو ابن ثماني عشرة ، وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه النار ، وهو يقول : ارجع ، فيقول الزبير : لا أكفر أبدا .

                                                                          وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : إن أول رجل سل سيفه الزبير بن العوام ، سمع نفخة نفخها الشيطان أخذ رسول الله ، فخرج الزبير يشق الناس بسيفه ، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فلقيه ، فقال : ما لك يا زبير ؟ قال : أخبرت أنك أخذت . قال : فصلى عليه ، ودعا له ، ولسيفه .

                                                                          وقال سكين بن عبد العزيز ، عن حفص بن خالد : حدثني شيخ قدم علينا من الموصل قال : صحبت الزبير بن العوام في بعض أسفاره ، فأصابته جنابة بأرض قفر فقال : استرني فسترته فحانت مني إليه التفاتة فرأيته مجدعا بالسيوف ، قلت : والله لقد رأيت بك آثارا ما رأيتها بأحد قط . قال : وقد رأيت ذلك ؟ قلت : نعم . قال : أما والله ما منها جراحة إلا مع رسول الله في سبيل الله .

                                                                          وقال حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان : حدثني من رأى الزبير وإن في صدره لأمثال العيون من الطعن والرمي .

                                                                          [ ص: 322 ] وقال هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير ، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر ، قالت : مر الزبير بن العوام بمجلس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحسان بن ثابت ينشدهم ، فمدححسان بن ثابت الزبير فقال في مديحه للزبير :


                                                                          فكم كربة ذب الزبير بسيفه عن المصطفى والله يعطي فيجزل     فما مثله فيهم ولا كان قبله
                                                                          وليس يكون الدهر ما دام يذبل     ثناؤك خير من فعال معاشر
                                                                          وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل



                                                                          وقال الحارث بن عطية ، عن الأوزاعي ، عن نهيك بن يريم ، عن مغيث بن سمي : كان للزبير ألف مملوك يؤدون الخراج ما يدخل بيته من خراجهم درهما .

                                                                          وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير : لما كان يوم الجمل جعل الزبير يوصي بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عن شيء فاستعن عليه بمولاي ، فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبه من مولاك ؟ قال : الله . قال : فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقض دينه فيقضيه ، فقتل الزبير ، ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها بالغابة ودورا ، وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال ليستودعه إياه فيقول الزبير : لا ، ولكنه سلف علي فإني أخشى عليه الضيعة . قال : فحسبت ما عليه فوجدته ألفي ألف فقضيت دينه ، فكان عبد الله بن الزبير ينادي بالموسم أربع سنين : من كان له على الزبير دين فليأتنا فليقضه فلما مضى أربع سنين قسمت بين الورثة الباقي ، وكان له أربعة نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف .

                                                                          [ ص: 323 ] وقال سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وابن مسعود .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني ، قال : أخبرنا أبو علي الحداد ، قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، قال : حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، فذكره .

                                                                          وقال سعيد بن عامر : حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة قال : لما نزلت ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قال الزبير : يا رسول الله أيرد علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : نعم . قال : والله إني لأرى الأمر شديدا .

                                                                          أخبرنا بذلك أحمد بن أبي الخير قال : أنبأنا أبو المكارم اللبان ، قال : أخبرنا أبو علي الحداد ، قال : أخبرنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو بكر بن خلاد قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا سعيد بن عامر ، فذكره .

                                                                          وقال عبد الله بن الزبير ، عن أبيه : جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد .

                                                                          [ ص: 324 ]

                                                                          وقال محمد بن المنكدر ، عن جابر : ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم ، فانتدب الزبير ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " .

                                                                          وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير : كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم يوم الخندق فكان يطأطئ لي فأنظر إلى القتال ، وأطأطئ له فينظر إلى القتال ، فرأيت أبي يجول في السبخة يكر على هؤلاء ، وعلى هؤلاء قال : فقلت له : يا أبة رأيتك تجول في السبخة تكر على هؤلاء مرة ، وعلى هؤلاء مرة ، فقال : قد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم أبويه .

                                                                          وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : لم يهاجر أحد من المهاجرين ومعه أم إلا الزبير بن العوام .

                                                                          وقال الزبير بن بكار ، عن عمه مصعب بن عبد الله ، عن جده عبد الله بن مصعب ، عن هشام بن عروة : أوصى عثمان بن عفان إلى الزبير بن العوام بصدقته حتى يدرك ابنه عمرو بن عثمان ، وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف ، وأوصى إليه مطيع بن الأسود ، وأوصى إليه أبو العاص بن الربيع بابنته أمامة من ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها الزبير من علي بن أبي طالب ، وأوصى إليه عبد الله بن مسعود ، وأوصى إليه المقداد بن عمرو .

                                                                          قال الزبير : وحدثني علي بن صالح ، عن جدي عبد الله بن مصعب ، قال : قال مطيع بن الأسود حين أوصى إلى الزبير فأبى أن يلي تركته ، وقال : في قومك من يرضى . فقال : إنك دخلت على عمر وأنا [ ص: 325 ] عنده فلما خرجت ، قال : نعم ولي تركة المرء المسلم . فقبل الزبير وصيته .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عشرة في الجنة : أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة " .

                                                                          وقال سعيد بن عامر الضبعي ، عن جويرية بن أسماء : باع الزبير دارا له بستمائة ألف ، فقيل له : يا أبا عبد الله غبنت ، قال : كلا والله ليعلمن ما غبنت ، هي في سبيل الله .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : حدثني عتيق بن يعقوب ، قال : حدثتني سلامة مولاة عائشة بنت عامر بن عبد الله بن الزبير ، وكانت امرأة صدق ، قالت : أرسلتني عائشة بنت عامر إلى هشام بن عروة تقول له : ما لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثون عنه ، ولا يحدث عنه الزبير ؟ فقال هشام : أخبرني أبي ، قال : أخبرني عبد الله بن الزبير ، قال : عناني ذلك ، فسألت عنه أبي فقال : يا بني كانت عندي أمك ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم خالتك عائشة ، وبيني وبينه من القرابة والرحم ما قد علمت ، وعمتي أم حبيبة بنت أسد جدته ، وعمته أمي ، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ، وجدتي هالة بنت أهيب بن عبد مناف ، وزوجته خديجة بنت خويلد عمتي ، ولقد نلت من صحابته [ ص: 326 ] أفضل ما نال أحد ، ولكني سمعته يقول : " من قال علي ما لم أقل تبوأ مقعده من النار " فلا أحب أن أحدث عنه .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن بن البخاري ، قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن المسلمة ، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي ، قال : أخبرنا الزبير بن بكار ، فذكره .

                                                                          وبه ، قال الزبير : وحدثني أبو غزية ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كان الزبير بن العوام طويلا يخبط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة أشعر ربما أخذت بشعر كتفيه متوذف الخلقة .

                                                                          وبه ، قال : وسمعت عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة يقول لأبي رحمه الله : كان الزبير بن العوام أبيض طويلا مخففا خفيف العارضين .

                                                                          وفضائله ومناقبه كثيرة جدا رضي الله عنه وأرضاه .

                                                                          قال الزبير بن بكار : قتل وهو ابن سبع وستين أو ست وستين سنة . قال : وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، قال : اشترك في قتل الزبير عمرو بن جرموز التميمي من مجاشع ، والنعر ، وفضالة بن حابس [ ص: 327 ] التميميان ثم السعديان ، وكان الذي ولي قتله عمرو بن جرموز ، ورفده فضالة بن حابس ، والنعر .

                                                                          قال : وقال أحد الشعراء يمدح آل الزبير :

                                                                          ألم تر أبناء الزبير تحالفوا     على المجد ما صامت قريش وصلت
                                                                          قريش غياث في السنين وأنتم     غياث قريش حيث سارت وحلت


                                                                          قال الزبير : وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثي الزبير بن العوام :

                                                                          غدر ابن جرموز بفارس بهمة     يوم اللقاء وكان غير معرد
                                                                          يا عمرو لو نبهته لوجدته     لا طائشا رعش السنان ولا اليد
                                                                          ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما     حلت عليك عقوبة المتعمد
                                                                          إن الزبير لذو بلاء صادق     سمح سجيته كريم المشهد
                                                                          [ ص: 328 ] كم غمرة قد خاضها لم يثنه     عنها طرادك يا ابن فقع القردد
                                                                          فاذهب فما ظفرت يداك بمثله     فيما مضى فيما تروح وتغتدي



                                                                          قال : وحدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن أم موسى قالت : استأذن قاتل الزبير على علي عليه السلام ، فقال : ليدخل قاتل الزبير النار ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لكل نبي حواري ، وحواري الزبير " .

                                                                          قال : وحدثني إبراهيم بن حمزة ، عن محمد بن عثمان ، عن أبي حرملة الذي كان يقال له : المبهوت ، وكان من جلساء عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد . قال : لما جاء نعي الزبير إلى علي صاحت فاطمة بنت علي عليه ، فقيل لعلي : هذه فاطمة تبكي على الزبير . فقال : فعلى من بعد الزبير إذا لم تبك عليه .

                                                                          قال : وحدثني علي بن صالح ، عن عامر بن صالح ، عن مسالم بن عبد الله بن عروة ، عن أبيه عبد الله بن عروة أن عمير - يريد عمرو بن جرموز - أتى مصعبا حتى وضع يده في يده فقذفه في السجن ، وكتب إلى عبد الله بن الزبير يذكر له أمره ، فكتب إليه أن بئس ما صنعت أظننت أني قاتل أعرابيا من بني تميم بالزبير ، خل سبيله ، فخلى سبيله ، حتى [ ص: 329 ] إذا كان ببعض السواد لحق بقصر من قصوره عليه رج ثم أمر إنسانا أن يطرحه عليه فطرحه فقتله ، وكان قد كره الحياة لما كان يهول ، ويرى في منامه ، وذلك دعاه إلى ما فعل ، وهو في حديث مسالم .

                                                                          وكان قتله يوم الجمل في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ، وقبره بوادي السباع ناحية البصرة .

                                                                          روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية