[ ص: 250 ] باب ما جاء في استنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء الله تعالى على ركانة في المصارعة، ونصرة الله تعالى إياه عليه وما روي في تلك القصة من آثار النبوة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، قال: حدثني والدي ابن إسحاق إسحاق بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لركانة بن عبد يزيد: "أسلم" ، فقال: لو علم أن ما تقول حق لفعلت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ركانة من أشد الناس: "أرأيت إن صرعتك أتعلم أن ذلك حق؟" ، قال: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه فقال له: عد يا محمد، فعاد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه الثانية فصرعه على الأرض فانطلق ركانة وهو يقول: هذا ساحر، لم أر مثل سحر هذا قط، والله ما ملكت من نفسي شيئا حتى وضع جنبي إلى الأرض.
وروينا في كتاب السنن عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في مصارعته ركانة على شاة وإسلامه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم غنمه. سعيد بن جبير
وقد رواه أبو أويس المدني ، [ ص: 251 ] عن محمد بن عبد الله بن يزيد بن ركانة، عن جده ركانة بن عبد يزيد وكان من أشد الناس، قال: كنت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى، إذ قال لي ذات يوم: هل لك أن تصارعني؟ قلت له: أنت؟ قال: "أنا" ، فقلت: على ماذا؟ قال: " على شاة من الغنم فصارعته فصرعني فأخذ مني شاة ثم قال: " هل لك في الثانية؟ قلت: نعم.
فصارعته فصرعني وأخذ مني شاة فجعلت ألتفت هل يراني إنسان، فقال: "مالك؟" قلت: لا يراني بعض الرعاة فيجترئون علي وأنا في قومي من أشدهم، قال: "هل لك في الصراع الثالثة؟ ولك شاة" ، قلت: نعم.
فصارعته فصرعني فأخذ شاة فقعدت كئيبا حزينا، فقال: "ما لك؟" ، قلت: إني أرجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت ثلاثا من غنمه , والثانية: أني كنت أظن أني أشد قريش ، فقال: "هل لك في الرابعة؟" ، فقلت: لا بعد ثلاث فقال: "أما قولك في الغنم فإني أردها عليك" .
فردها علي فلم يلبث أن ظهر أمره فأتيته فأسلمت وكان مما هداني الله عز وجل أني علمت أنه لم يصرعني يومئذ بقوته، ولم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره.
وهذا فيما أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي، إجازة أن أبا عبد الله عبيد الله بن محمد العكبري أخبره، حدثنا حدثنا أبو القاسم البغوي، الحسن بن الصباح، حدثنا ، حدثنا شبابة بن سوار أبو أويس، فذكره.
وهذه المراسيل تدل على أن للحديث الموصول فيه أصلا وهو ما: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن علي بن [ ص: 252 ] المؤمل، أنبأنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ، أنبأنا أبو عروبة الحسين بن أبي معشر السلمي بحران، حدثنا محمد بن وهب، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم وهو خالد بن أبي يزيد، قال: حدثني أبو عبد الملك، عن القاسم، عن قال: أبي أمامة كان رجل من بني هاشم يقال له ركانة وكان من أقتل الناس وأشده وكان مشركا وكان يرعى غنما له في واد يقال له إضم فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة ذات يوم فتوجه قبل ذلك الوادي فلقيه ركانة وليس مع النبي صلى الله عليه وسلم أحد فقام إليه ركانة فقال: يا محمد، أنت الذي تشتم آلهتنا اللات والعزى، وتدعو إلى إلهك العزيز الحكيم، ولولا رحم بيني وبينك ما كلمتك الكلام - يعني أقتلك - ولكن ادع إلهك العزيز الحكيم ينجيك مني، وسأعرض عليك أمرا، هل لك أن أصارعك وتدعو إلهك العزيز الحكيم يعينك علي، فأنا أدعو اللات والعزى، فإن أنت صرعتني فلك عشر من غنمي هذه تختارها، فقال عند ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إن شئت" .
فاتخذا ودعا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلهه العزيز الحكيم أن يعينه على ركانة، ودعا ركانة اللات والعزى: أعني اليوم على محمد، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه وجلس على صدره، فقال ركانة: قم فلست أنت الذي فعلت بي هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذله اللات والعزى وما وضع جنبي أحد قبلك.
فقال له ركانة: عد فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها، فأخذه نبي الله صلى الله عليه وسلم ودعا كل واحد منهما إلهه كما فعلا أول مرة، فصرعه نبي الله صلى الله عليه وسلم فجلس على كبده، فقال له ركانة: قم فلست أنت الذي فعلت بي هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذله اللات والعزى، وما وضع جنبي أحد قبلك، فقال له ركانة: عد فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها فأخذها فأخذه نبي الله صلى الله عليه وسلم ودعا كل واحد منهما إلهه فصرعه نبي الله صلى الله عليه وسلم الثالثة فقال له ركانة: لست أنت الذي فعلت بي هذه وإنما فعله إلهك [ ص: 253 ] العزيز الحكيم وخذله اللات والعزى فدونك ثلاثين شاة من غنمي فاخترها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أريد ذلك، ولكني أدعوك إلى الإسلام يا ركانة، وأنفس بك أن تصير إلى النار إنك إن تسلم تسلم" ، فقال له ركانة: لا، إلا أن تريني آية، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: "الله عليك شهيد إن أنا دعوت ربي فأريتك آية لتجيبنني إلى ما أدعوك إليه؟" ، قال: نعم.
وقريب منه شجرة سمر ذات فروع وقضبان فأشار إليها نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: "أقبلي بإذن الله" ، فانشقت باثنتين فأقبلت على نصف شقها وقضبانها وفروعها حتى كانت بين يدي نبي الله صلى الله عليه وسلم وبين ركانة، فقال له ركانة: أريتني عظيما فمرها فلترجع، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: "عليك الله شهيد إن أنا دعوت ربي عز وجل أمر بها فرجعت لتجيبنني إلى ما أدعوك إليه؟" قال: نعم.
فأمرها فرجعت بقضبانها وفروعها حتى التأمت بشقها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أسلم تسلم" ، فقال له ركانة: ما بي إلا أن أكون رأيت عظيما، ولكني أكره أن تتحدث نساء المدينة وصبيانهم أني إنما جئتك لرعب دخل قلبي منك، ولكن قد علمت نساء أهل المدينة وصبيانهم أنه لم يضع جنبي قط، ولم يدخل قلبي رعب ساعة قط ليلا ولا نهارا، ولكن دونك فاختر غنمك.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس لي حاجة إلى غنمك إذ أبيت أن تسلم" .
فانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم راجعا وأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يلتمسانه في بيت عائشة فأخبرتهما أنه قد توجه قبل وادي إضم وقد عرف أنه وادي ركانة لا يكاد يخطئه، فخرجا في طلبه وأشفقا أن يلقاه ركانة فيقتله فجعلا يصعدان على كل شرف ويتشرفان مخرجا له إذ نظرا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم مقبلا فقالا: يا نبي الله، كيف تخرج إلى هذا الوادي وحدك وقد عرفت أنه جهة ركانة، وأنه من أقتل الناس وأشدهم تكذيبا لك، فضحك إليهما النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: " أليس يقول الله عز وجل لي: والله يعصمك من الناس إنه لم يكن يصل إلي والله معي" فأنشأ يحدثهما حديثه والذي فعل به والذي أراه فعجبا من [ ص: 254 ] ذلك فقالا: يا رسول الله، أصرعت ركانة، فلا والذي بعثك بالحق ما نعلم أنه وضع جنبه إنسان قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني دعوت ربي فأعانني عليه، وإن ربي عز وجل أعانني ببضع عشرة وقوة عشرة" .
أبو عبد الملك هذا علي بن يزيد الشامي، وليس بقوي، إلا أن معه ما يؤكد حديثه والله أعلم.