الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 7 ] باب انقياد الشجر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما جمع الخبر المنقول فيه من ذكر خروج الماء من بين أصابعه، وغير ذلك من علامات النبوة.

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، رحمه الله أنبأنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي ببغداد، حدثنا أحمد بن زياد بن مهران السمسار، حدثنا هارون بن معروف.

                                        (ح) وأنبأنا أبو عبد الله، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن عباد المكي، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم، في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له، فذكر ما سمع منه ثم قال: حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، فذكر ما سمع منه إلى أن قال: عن جابر بن عبد الله، قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا [ ص: 8 ] أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته وأتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به، وإذا بشجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله تعالى" فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما لأم بينهما يعني جمعهما، فقال: "التئما علي بإذن الله" فالتأمتا.

                                        قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي، يعني فيبتعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة، فقال برأسه هكذا، قال هارون بن معروف: وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا، ثم أقبل فلما انتهى إلي، قال: "يا جابر هل رأيت مقامي؟" قلت: نعم يا رسول الله، قال: "فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا، فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك، وغصنا عن يسارك" [ ص: 9 ] .

                                        قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانذلق لي، فأتيت الشجرتين، فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما حتى إذا قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني، وغصنا عن يساري، ثم لحقته فقلت: قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك؟ قال: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين" .

                                        قال: فأتينا العسكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جابر، ناد بوضوء" ، فقلت: ألا وضوء ألا وضوء، قال: قلت: يا رسول الله، ما وجدت في الركب من قطرة، قال: وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، فقال لي: "انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟" قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه، قال: "اذهب فأتني به" ، فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه.

                                        فقال: "يا جابر، ناد [ ص: 10 ] بجفنة" ، قال: فقلت: يا جفنة الركب، قال: فأتيت بها تحمل فوضعت بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا، فبسطها في الجفنة، وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: "خذ يا جابر، فصب علي، وقل بسم الله" فصببت عليه وقلت: بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت، فقال: "يا جابر، ناد من كان له حاجة بماء" ، قال: فأتى الناس فاستقوا حتى رووا، قال: فقلت هل بقي أحد له حاجة، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى.

                                        وشكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فقال عسى الله أن يطعمكم، فأتينا سيف البحر فألقى دابة فأورينا على شقها النار، فاشتوينا وطبخنا، وأكلنا وشبعنا.

                                        قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عد خمسة، في حجاج عينها، ما يرانا أحد حتى خرجنا فأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأعظم كفل في الركب، فدخل تحته ما يطأطئ به رأسه.


                                        لفظ حديث ابن الأدمي رواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن هارون بن معروف، ومحمد بن عباد.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية