الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي ، حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ، حدثنا أبو الليث سلم بن معاذ التميمي بدمشق، حدثنا أبو حمزة إدريس بن يونس، حدثنا محمد بن يزيد بن سلمة، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عبد الله بن عون ، عن أنس، قال: أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانوا في بني إسرائيل لما تقاسمتها الأمم، لكان عجبا، قلن: ما هن يا أبا حمزة؟ قال: كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 52 ] فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النساء، وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة ، فمرض أياما ثم قبض، فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله، قال: "يا أنس، ائت أمه، فأعلمها" ، قال: فأعلمتها، فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما، ثم قالت: اللهم إني أسلمت لك طوعا، وخلعت الأوثان زهدا، وهاجرت إليك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها، قال: فوالله ما تقضى كلامها حتى حرك قدميه، وألقى الثوب عن وجهه، وعاش حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى هلكت أمه.

                                        قال: ثم جهز عمر بن الخطاب يعني جيشا واستعمل عليه العلاء بن الحضرمي، قال: وكنت في غزاته، فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد نذروا بنا فعفوا آثار الماء، قال: والحر شديد، فجهدنا العطش ودوابنا، وذلك يوم الجمعة، قال: فلما مالت الشمس لغربها صلى بنا ركعتين ثم مد يده وما نرى في السماء شيئا قال: فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا، وأنشأ سحابا، فأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا، وسقينا، واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا علي، يا عظيم، يا حليم، يا كريم، ثم قال: أجيزوا باسم الله، قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فأصبنا العدو غيلة، فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا حتى رئي في دفنه، قال: فحفرنا له وغسلناه ودفناه، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال: من هذا؟ فقلنا: هذا خير البشر، هذا ابن الحضرمي، فقال: إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض [ ص: 53 ] تقبل الموتى، فقلنا ما جزاء صاحبنا أن تعرضه للسباع تأكله، قال: فاجتمعنا على نبشه، قال: فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر، نور يتلألأ، قال: فأعدنا التراب إلى القبر ثم ارتحلنا.


                                        وقد روي عن أبي هريرة في قصة العلاء بن الحضرمي واستسقائهم ومشيهم على الماء دون قصة الموت بنحو من هذا، وقال في الدعاء: يا عليم، يا حليم، يا عظيم، يا علي، وهو في الثاني من كتاب التاريخ، ورواه أيضا محمد بن فضيل ، عن الصلت بن مطر، عن عبد الملك بن سهم بن منجاب، عن سهم بن منجاب، قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي، فذكره ببعض معناه، وقال في الدعاء: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ، وإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا، وقال في البحر: فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك، وقال في الموت: اخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحدا، فلم يقدر عليه.

                                        أخبرناه ابن بشران، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا ابن أبي الدنيا حدثنا أبو كريب، حدثنا ابن فضيل، فذكر بعض معناه.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية