الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 97 ] باب ما ظهر في النخل التي غرسها النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه وأطعمت من سنته من آثار النبوة، واستبرائه عند قدومه عليه، وما وصف له من حاله.

                                        أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأنا موسى بن إسحاق القاضي، حدثنا عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، عن الحسين بن واقد، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه، أن سلمان، لما قدم المدينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية على طبق، فوضعها بين يديه، فقال: "ما هذا يا سلمان؟" قال: صدقة عليك وعلى أصحابك، قال: "إني لا آكل الصدقة" فرفعها، ثم جاءه من الغد بمثلها، فوضعها بين يديه، فقال: "ما هذا؟" ، قال: هدية لك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "كلوا" .

                                        قالوا: لمن أنت؟ قال: "لقوم" ، قال: "فاطلب إليهم أن يكاتبوك" ، قال فكاتبوني على كذا وكذا نخلة اغرسها لهم ويقوم عليها سلمان حتى تطعم، قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فغرس النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فأطعم نخله من سنته إلا تلك النخلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غرسها؟" قالوا: عمر، فغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فحملت من عامها.


                                        وروينا عن ابن عثمان ، عن سلمان أنه قال: فجعل يغرس إلا واحدة [ ص: 98 ] غرستها بيدي فعلقن جميعا إلا واحدة.

                                        وروينا قصة إسلام سلمان وما سمع من الأحبار والرهبان في صفة النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الكتاب.

                                        وأخبرني أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي رحمه الله من أصله، أنبأنا أبو الحسن محمد بن محمود المروزي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق ، عن أبي قرة الكندي، عن سلمان، قال: كان أبي من أبناء الأساورة، وكنت أختلف إلى الكتاب، وكان معي غلامان إذا رجعا من الكتاب دخلا على قس، فدخلت معهما فقال لهما: ألم أنهكما أن لا تأتياني بأحد؟ قال: فكنت أختلف إليه حتى كنت أحب إليه منهما، فقال: يا سلمان، إذا سألك أهلك من حبسك؟ فقل: معلمي، وإذا سألك معلمك من حبسك؟ فقل: أهلي، فقال لي يا سلمان، إني أريد أن أتحول، فقلت: أنا معك.

                                        قال: فتحول وأتى قرية فنزلها، وكانت امرأة تختلف إليه فلما حضر قال: يا سلمان، احتفر فاحتفرت فاستخرجت جرة من دراهم، فقال: صبها على صدري فصببتها، فجعل يضرب بها على صدره، ويقول: ويل للقس، فمات.

                                        قال: فنفخت في بوقهم ذلك، فاجتمع القسيسون والرهبان، فحضروه، قال: وهممت بالمال أن أحتمله، ثم إن الله عز وجل صرفني عنه.

                                        [ ص: 99 ] فلما اجتمع القسيسون قلت: إنه قد ترك مالا فوثب شباب من أهل القرية، فأخذوه، فلما دفن قلت: يا معشر القسيسين، دلوني على عالم أكون معه، قالوا: لا نعلم في الأرض أعلم من رجل كان يأتي بيت المقدس، وإن انطلقت الآن وجدت حماره على باب بيت المقدس، فانطلقت فإذا أنا بحمار فجلست عنده حتى خرج، فقصصت عليه القصة، فقال: اجلس حتى أرجع إليك.

                                        قال: فلم أره إلى الحول، وكان لا يأتي بيت المقدس إلا في كل سنة في ذلك الشهر، فلما جاء قلت ما صنعت لي؟ قال: وإنك لهاهنا بعد؟ قلت: نعم، قال: لا أعلم في الأرض أحدا أعلم من يتيم خرج في أرض ثمامة، وإن تنطلق الآن توافقه وفيه ثلاث: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وعند غضروف كتفه اليمنى خاتم نبوة مثل بيضة لونها لون جلده، وإن انطلقت الآن توافقه.

                                        فانطلقت ترفعني أرض وتخفضني أخرى حتى أصابني قوم من الأعراب فاستعبدوني فباعوني حتى وقعت بالمدينة ، فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم وكان العيش عزيزا، فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا، فانطلقت فاحتطبت فبعته بشيء يسير، ثم جئت به فوضعته بين يديه، فقال: "ما هذا؟" فقلت: صدقة، فقال لأصحابه: "كلوا" ، وأبى أن يأكل، فقلت: هذه واحدة.

                                        فمكثت ما شاء الله ثم استوهبت أهلي يوما فوهبوا لي يوما، فانطلقت فاحتطبت فبعته بأفضل من ذلك، فصنعت طعاما فأتيته به فوضعته بين يديه فقال: "ما هذا؟" قلت: هدية، فقال بيده: "بسم الله، خذوا" ، فأكل وأكلوا معه.

                                        وقمت إلى خلفه فوضع رداءه فإذا خاتم النبوة كأنه بيضة، فقلت: أشهد [ ص: 100 ] أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "وما ذاك أرأيته؟" فقلت: يا رسول الله، القس هل يدخل الجنة، فإنه يزعم أنك نبي؟ قال: "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" .

                                        فقلت: يا نبي الله، أخبرني أنك نبي، قال: "لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة".


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية