الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          2225 - (خ) : سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت ، وهو عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري ، الأشهلي ، أبو عمرو المدني ، سيد الأوس ، وأمه كبشة بنت رافع ، لها صحبة ، وهو ابن خالة أسعد بن زرارة .

                                                                          [ ص: 301 ] قال أبو عمر : أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير ، وشهد بدرا وأحدا والخندق ، ورمي يوم الخندق بسهم فعاش بعد ذلك شهرا ثم انتقض جرحه فمات منه . والذي رماه بالسهم حبان بن العرقة وقال : خذها وأنا ابن العرقة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عرق الله وجهه في النار .

                                                                          والعرقة هي فلانة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص ، وحبان ابنها هو ابن عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن هصيص بن عامر بن لؤي . وقيل : إن العرقة تكنى أم فاطمة ، وإنما قيل لها : العرقة ، لطيب ريحها . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بضرب فسطاط في المسجد لسعد بن معاذ ، وكان يعوده في كل يوم حتى توفي سنة خمس من الهجرة ، وكان موته بعد الخندق بشهر ، وبعد قريظة بليال .

                                                                          كذلك روى سعد بن إبراهيم ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه .

                                                                          وروى الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : رمي سعد بن معاذ يوم الأحزاب فقطعوا أكحله ، فحسمه رسول الله - صلى [ ص: 302 ] الله عليه وسلم - فانتفخت يده ونزفه الدم ، فلما رأى ذلك قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة . فاستمسك عرقه ، فما قطر قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكمه ، وكان حكمه فيهم أن يقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذريتهم ، يستعين بهم المسلمون ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أصبت حكم الله فيهم . وكانوا أربع مائة ، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات .

                                                                          وروي من حديث أنس بن مالك قال : لما حملنا جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون : ما أخف جنازته ، وكان رجلا طوالا ضخما ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الملائكة حملته .

                                                                          وقال يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة : كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل منهم : سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وعباد بن بشر .

                                                                          وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اهتز العرش لموت سعد بن معاذ .

                                                                          وروي : عرش الرحمن . وهو حديث روي من وجوه كثيرة متواترة ، رواه جماعة من الصحابة .

                                                                          وقال رسول الله - صلى الله عليه [ ص: 303 ] وسلم - في حلة سير أراها : لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها . وهو حديث ثابت أيضا .

                                                                          وقال الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عباس : قال سعد بن معاذ : ثلاث أنا فيهن رجل - يعني : كما ينبغي - وما سوى ذلك فأنا رجل من الناس : ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا قط إلا علمت أنه حق من الله ، ولا كنت في صلاة قط فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ، ولا كنت في جنازة قط فحدثت نفسي بغير ما تقول ، ويقال لها حتى أنصرف عنها . قال سعيد بن المسيب : فهذه الخصال ما كنت أحسبها إلا في نبي .

                                                                          روى له البخاري حديثا واحدا ، وقد وقع لنا عاليا عنه .

                                                                          أخبرنا به إبراهيم بن إسماعيل القرشي ، قال : أنبأنا محمد بن معمر بن الفاخر وغير واحد ، قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة ، قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : انطلق سعد بن معاذ معتمرا ، فنزل على أبي صفوان أمية بن خلف ، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد ، فقال أمية [ ص: 304 ] لسعد : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت ، فبينا سعد يطوف بالكعبة آمنا أتاه أبو جهل فقال : من هذا الذي يطوف بالكعبة آمنا ؟ فقال سعد : أنا سعد . فقال أبو جهل : تطوف بالبيت آمنا ، وقد آويتم محمدا وأصحابه ؟ وكان بينهما حتى قال أمية لسعد : لا ترفع صوتك على أبي الحكم ، فإنه سيد أهل الوادي . فقال له سعد : والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن عليك متجرك إلى الشام . فجعل أمية يقول لسعد : لا ترفع صوتك على أبي الحكم - يمسكه - فغضب سعد وقال : دعنا منك ، فإني سمعت محمدا يزعم أنه قاتلك . قال : إياي ؟ قال : نعم . قال : والله ما يكذب محمد . فلما خرجوا رجع إلى امرأته ، فقال : أما علمت ما قال لي أخي اليثربي ؟ فأخبرها فقالت امرأة أمية : ما يدعنا محمد ؟ فلما جاء الصريخ ، وخرجوا إلى بدر قالت له : أما تذكر ما قال لك أخوك اليثربي ؟ فأراد أن لا يخرج ، فقال له أبو جهل : إنك من أشرف أهل الوادي ، فسر معنا يوما أو يومين ، فسار معهم فقتله الله .

                                                                          رواه عن أحمد بن إسحاق البخاري ، عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، فوقع لنا عاليا بدرجتين .

                                                                          ورواه أيضا عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، عن شريح بن مسلمة ، عن إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، فوقع لنا عاليا بثلاث درجات ، ولله الحمد .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية